هل إضافة المادة (23) لقانون هيئة مكافحة الفساد تعد تكرارا لمادة الذم أو القدح في قانون العقوبات الأردني أم مادة جرمية جديدة?
صفحة 1 من اصل 1
هل إضافة المادة (23) لقانون هيئة مكافحة الفساد تعد تكرارا لمادة الذم أو القدح في قانون العقوبات الأردني أم مادة جرمية جديدة?
هل إضافة المادة (23) لقانون هيئة مكافحة الفساد تعد تكرارا لمادة الذم أو القدح في قانون العقوبات الأردني أم مادة جرمية جديدة?
2011/11/06
المحامي الدكتور كامل السعيد
في ضوء ما ثار من خلاف حول: هل إضافة المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد رقم (62) لسنة 2006 لهذا القانون تعد تكراراً لنصوص الذم والقدح والتحقير وبذلك تعتبر تزيدَّاً لا معنى له, أم أنها مادة جديدة لها حيَّزها المستقل الذي تشغله حتى وأن كانت تتفق مع الذم والقدح والتحقير في بعض الأركان والعناصر, ولكنها تختلف معها في البعض الآخر, الأمر الذي يتوجب معه اعتبارها جرماً جديداً ضيَّق من هامش أو مساحة حرية الرأي والتعبير الممنوح لوسائل الإعلام وغيرها بموجب القوانين المرعية, وبالتالي يشكل تراجعاً خطيراً من قبل الدولة إن أقرت سلطاتها المختصة مثل هذا التعديل في ظل دولة سيادة القانون والإدعاءبيمنح المزيد من الديمقراطية.
على أي حال وقبل إلقاء الضوء على الحقيقة القانونية كما نراها بين الاتجاهين, نبيَّن أن حجة وسائل الإعلام في الاعتراض على إجراء كهذا تتمثل بأن هدف السلطات التنفيذية من وراء هذا التعديل هو التهديد باستخدام القانون الجزائي ضد كل من يمارس حقه في التعبير عن رأيه كشفاً لفساد قد يمارس من قبل المفسدين في البلد وتبعاً عدم ملاحقتهم جزائياً وإبقائهم على ما هم عليه من فساد, الأمر الذي يلحق الضرر بالدولة بكل مكوناتها, في حين تقوم الحجة العكسية على أن أساس التعديل هو حماية الوظيفة العامة وإحاطتها بسياج قوي دعماً لفكرة سلطان الدولة الذي يقوم على أشخاص موظفيها إذا كان المفسد موظفاً عاماً أو من هو في حكمه,أمَّا إذا كان المفسد شخصاً عادياً, فإن ما يبرر إضافة هذه المادة هو صيانة حرماته الشخصية وعدم المساس بخصوصيته وحقه في الحياة الخاصة التي يصونها له الدستور.
وبناء على ما تقدم فإنه لا بد لنا من تثبيت النص القانوني لجرائم الذم والقدح علماً أن كل ذم يشكل قدحاً وكل قدح يشكل تحقيراً وليس العكس صحيحاً, ثم نقوم بعد ذلك بتثبيت النص القانوني رقم (23) من قانون مكافحة الفساد, تمهيداً لتسليط الضوء عليهما.
نص المادة (188) من قانون العقوبات الأردني:
تنص المادة (188/1) من قانون العقوبات الأردني تعريف الذم بقولها إنه إسناد مادة معينة إلى شخص ما - ولو في معرض الشك والاستفهام -من شأنها أن تنال من شرفه وكرامته أو تعرضه إلى بغض الناس واحتقارهم سواء أكانت تلك المادة جريمة تستلزم العقاب أم لا.
نص المادة (188/2): التي عرفت القدح على انه هو الاعتداء على كرامة الغير أو شرفه أو اعتباره - ولو في معرض الشك والاستفهام- دون بيان مادة معينة.
أما المادة (198) من قانون العقوبات فقد حددت الصور التي إن استخدمت في الذم أو القدح فإنها تعرض مرتكبي هذه الجريمة للعقاب, حيث وردت على النحو التالي:
1- الذم أو القدح الوجاهي, ويشترط أن يقع:
أ-) في مجلس بمواجهة المعتدى عليه.
ب-) في مكان يمكن لأشخاص آخرين أن يسمعوه, قل عددهم أو كثر.
2-الذم أو القدح الغيابي, وشرطه أن يقع أثناء الاجتماع بأشخاص كثيرين مجتمعين أو منفردين.
3-الذم أو القدح الخطي, وشرطه أن يقع:
أ)بما ينشر ويذاع بين الناس أو بما يوزع على فئة منهم من الكتابات أو الرسوم أو الصور الاستهزائية أو مسودات الرسوم (الرسوم قبل أن تزين وتصنع).
ب)بما يرسل إلى المعتدى عليه من المكاتيب المفتوحة (غير المغلقة) وبطاقات البريد.
4-الذم أو القدح بواسطة المطبوعات وشرطه أن يقع:
أ)بواسطة الجرائد والصحف اليومية أو الموقوتة.
ب)بأي نوع كان من المطبوعات ووسائط النشر.
وبناء على ما تقدم فإنه يتعيَّن لقيام جريمة الذم أو القدح أن تتوافر العناصر التالية:
أولاً: الركن المادي يتمثل هذا الركن بتصرف فعلي أو قولي يتم فيه إسناد مادة معينة إلى شخص- ولو في معرض الشك والاستفهام - من شأنها أن تنال من شرفه وكرامته أو تعرضه إلى بغض الناس واحتقارهم سواء كانت تلك المادة جريمة تستلزم العقاب أم لا, الأمر الذي يمكن معه اعتبار هذا الإسناد أحد أوجه جرائم الرأي. والركن المادي يقوم بفعلين هما: الإسناد أي الإفصاح عن الواقعة المسندة أو التعبير عنها وإذاعتها بين الناس أو الإعلان عنها وإذا كان في الغالب أن يرتكب هذين التصرفين شخص واحد, إلا أن ثمة شيئاً لا يمنع من ارتكاب كل منهما من قبل كل شخص على حدة, وعندئذ يعد كل منهما شريكا أو فاعلاً مع الغير على مقتضى نص المادة 76 من قانون العقوبات الأردني. ونستنتج من هذا النص أنه يكفي لارتكاب الجرم لدينا أن يكون من شأن الواقعة المسندة إلى المجني عليه النيل من شرف وكرامة من أسندت إليه بغض النظر عن ما إذا كانت تشكل جريمة تستلزم العقاب أم لا.
ويتضمن الركن المادي صوراً تتناوب على تكوينه, يقتضي المقام مجرد الإشارة إليها الآن على أن نفصلها فيما بعد, وهذه الصورة كما حددتها المادة (189) من قانون العقوبات تتمثل على النحو التالي:
1-الذم أو القدح الوجاهي - أي بمواجهة المجني عليه (حضوره).
2-الذم أو القدح الغيابي- أي في غيبته
3-الذم أو القدح الخطي إما كتابة أو بواسطة المطبوعات.
وإذا كانت الصورتان الأوليان تتفقان في أنهما تتمثلان بالقول الشفوي فإن الصورة الثالثة هي خطية, وهذه الصور وإن كانت ذوات طبيعة علنية إلا أن الشارع لم ينص على علنيتها, أي لم يشترط وقوع الذم أو القدح بإحدى الوسائل العلنية المنصوص عليها في المادة (73) من قانون العقوبات الأردني بناءً على الإحالة إليها بمقتضى نص المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد التي سنبينها فيما بعد, وعلى أي حال فإن هذه الجريمة أو الجرائم لا تقوم بمجرد القول أو الكتابة وإنما لا بد من الإذاعة والتوزيع كي يعلم الناس بمضمونها أو يكون بإمكانهم العلم بها.
نص المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد التي تمت إضافتها بموجب مشروع القانون المعدل لقانون هيئة مكافحة الفساد حيث وردت على النحو التالي:-
كل من أشاع أو عزا أو نسب دون وجه حق إلى أحد الأشخاص أو ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية كانت أياً من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة (5) من هذا القانون أدى إلى الإساءة لسمعته أو المس بكرامته أو اغتيال شخصيته عوقب بغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف دينار ولا تتجاوز (60) ألف دينار.
أركان هذه الجريمة:
تقوم هذه الجريمة على الأركان التالية:
أولاً:الركن المادي: ويتمثل هذا الركن في أن هذا النص قد عدد الأفعال التي تتناوب على تكوينه, وهي أن يشيع المتهم أو يعزو أو ينسب إلى المجني عليه عملاً من أعمال الفساد المحددة قانوناً, وعمل الشيوع يعني أن المتهم قد أشاع بين عدد من الناس بأن المجني عليه قد قام بأي فعل من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة (5) وذلك بإحدى وسائل العلنية المنصوص عليها في المادة (73) من قانون العقوبات.
وبالمثل عزوه أو نسبه تلك الأفعال إلى المجني عليه, والعزو أو النسب مصطلحان متعددان لمعنى واحد, وما دام أن المشرع قد اشترط لوقوع هذه الجريمة أن ترتكب بأيَّ من هذه الأفعال الثلاثة المنوه عنها بأعلاه, وبإحدى طرق العلنية, فإن فعل الشيوع يفقد معناه المستقل الذي أشرنا إليه من ضرورة أن يكون قد تم بين عدد من الناس, فيكفي حصوله بوسيلة علنية شأنه تماماً شأن الفعلين الأخرين هما العزو والنسب. وقد كان بإمكان المشرع المعدل أن يستعيض عن ذكرهذه الأفعال الثلاثة المتناوبة بالقول من أسند دون وجه حق إلى أحد الأشخاص أو ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية... الخ, فهذه الأفعال تلتقي في معنى واحد هو فعل إسناد أي فعل من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة الخامسة من قانون هيئة مكافحة الفساد إلى المجني عليه. تماماً كما هو الحال في جريمة الذم, فالذم يتطلب صراحة الإسناد وكذلك الجرم المنصوص عليه في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد على اختلاف في الصيغ التي تضمنها وهي الشيوع والعزو والنسب وكلها تشكل إسناداً قام به الذم صراحة.
وقد اشترط المشرع صراحة أن يكون الإسناد في الجرم المنصوص عليه في المادة (23) قد تم بدون وجه حق, ولم يبين النص القانوني متى يكون قد تم بحق أو بدون وجه حق, ونحن نرى أنه لا يجوز أن يختلف الأمر في هذا المقام عنه في جرائم الذم. وعليه فإن الإسناد المنصوص عليه في المادة المستحدثة يكون محقاً في الحالات التي يكون فيها إسناد الذم محقاً وهي الحالات المنصوص عليها في المادة (192) من قانون العقوبات بفقراتها الثلاثة, حيث تنص هذه المادة على أنه إذا طلب الذام أن يسمح له بإثبات صحة ما عزاه إلى الموظف المعتدي عليه, فلا يجاب إلى طلبه إلا أن يكون ما عزاه متعلقاً بواجبات وظيفة ذلك الموظف أو يكون جريمة تستلزم العقاب قانوناً, - فإذا كان الذم يتعلق بواجبات الوظيفة فقط وثبتت صحته فيبرأ الذام وإلا فيحكم عليه بالعقوبة المقررة للذم, أما الفقرة الثالثة من هذه المادة فتنص على أنه إذا كان موضوع الذم جريمة وجرت ملاحقة ذلك الموظف بها وثبت أن الذام قد عزا ذلك وهو يعلم براءة الموظف المذكور انقلب الذم افتراء ووجب عندئذ العمل بأحكام المواد القانونية المختصة بالافتراء.
ونحن نرى أنه لا يسوغ اقتصار هذا النص أو تطبيق أحكامه على الإسناد المسند إلى الموظف, إذ ينسحب أيضاً على غير الموظف, أي على الشخص العادي أيضاً, فلا بد أن يسمح له بإثبات صحة ما نسبه أو عزاه من جرم, فما ورد في نص المادة (192) من قانون العقوبات يتضمن سبب تبرير أو إباحة لا يجوز أن يقتصر على من يسند إلى موظف جرماً حتى ولو كان غير متعلق بواجبات الوظيفة, فمصلحة المجتمع تقتضي الكشف عن الجرائم سواء كان مرتكبها موظفاً أم غير موظف, فأسباب التبرير أو الإباحة هي من الأحكام العامة التي تنطبق على جميع الجرائم والمجرمين والعقوبات, لأنها وردت في الأحكام العامة من قانون العقوبات, المواد (59-62) من قانون العقوبات أما سبب النص على الذم المسند للموظف في هذا المقام - أي وروده في نص المادة(192) من قانون العقوبات, فلأن هذه المادة قد تلت نص المادة (191) من ذات القانون التي تحدثت عن الذم الموجه للموظفين ولسائر الدوائر الرسمية أو المؤسسات العامة وما في حكمها.
إن ما نقول به ليس مقصوراً على ما توجبه طرائق التفسير القانونية من ضرورة العمل على التنسيق والاتساق بين النصوص القانونية في النظام القانوني التابع للدولة الواحدة فحسب, وإنما أيضاً إلى ما نصت عليه المادة (362) من قانون العقوبات في قولها ولا يسمح لمرتكب الذم أو القدح تبريراً لنفسه بإثبات صحة الفعل موضوع الذم والقدح أو إثبات اشتهاره إلا أن يكون موضوع الذم جرماً أو يكون موضوع القدح معدوداً قانوناً من الجرائم..... الخ إذن لا مجال للتفرقة بين الذم والجرم المنصوص عليه في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد في هذا النطاق.
كما أنه لا مجال للتفرقة بين المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد والمواد المنوه عنها قبل لحظات لنفس الأسباب السابقة أو بعضها من حيث ضرورة أن يكون المجني عليه شخصاً معيناً, ولكن ليس من الضروري أن يكون معينا بالاسم أو ذكر اسمه كاملاً, وإنما يكفي أن تكون عبارات الجاني موجهة على نحو يسهل معه معرفة الشخص الذي يعنيه الجاني, فإذا استطاعت المحكمة إدراك من هو هذا الشخص استنتاجاً من غير تكلف أو كبير عناء من فحوى العبارات التي استعملها الجاني عدَّ الجرم قائماً حتى ولو كان المقال خلواً من ذكر اسم الشخص المقصود, فلا يشترط إذن ذكر الاسم الذي يمكن فئة من الناس التعرف عليه, ومحكمة الموضوع هي التي تحدد ما إذا كانت البيانات التي ذكرها الحكم للقول بأنه حدد المجني عليه التحديد الكافي لمعرفة شخصيته, وذلك دون أن تكون لمحكمة التمييز رقابة عليها. وتطبيقاً لما تقدم يعتبر التحديد كافياً إذا ذكر المتهم الأحرف الأولى من اسم المجني عليه أو حدد مهنته أو القرية أو الحي الذي ولد ونشأ فيه أو وضع صورته إلى جانب المقال الذي تضمن عبارات الإسناد, فلا يرد على ذلك القول بأن المشرع قد ذكر في نص المادة (188) من قانون العقوبات عبارة - ولو في معرض الشك والاستفهام- في حين لم يذكرها في نص المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد. فالعلَّة في تحديد شخص الجاني واحدة في الحالتين, واتحاد العلة يوجب اتحاد الحكم فعبارة - ولو في معرض الشك والاستفهام- تعني أن صيغة الإسناد قد تكون تشكيكية أو ظنية أو احتمالية بالإضافة إلى أنها قد تكون توكيدية.
يبدو أن ما أشرنا إليه لغاية الآن في هذا المقال هو أمر متفق عليه بين جرائم الذم أو القدح وبين الجريمة المنصوص عليها في المادة (23) من قانون مكافحة الفساد ولا مجال للاتفاق بينهما فيما وراء ذلك.
فالمادة (189) من قانون العقوبات اشترطت - كما أشرنا بعد لحظات - أن يقع الذم أو القدح في إحدى صور ثلاث هي:
الصورة الأولى:
1-الذم أو القدح الوجاهي الذي يشترط فيه أن يقع في:
أ) في مجلس بمواجهة المعتدى عليه أي في مجلس ضم عدداً من الأشخاص من بينهم المعتدي عليه.
ب)في مكان يمكن لأشخاص آخرين أن يسمعوه قل عددهم أم كثر, وهذا يعني أن يقع الذم أو القدح من المعتدي في مواجهة المعتدى عليه, ولكن يتم في مكان يمكن لأشخاص آخرين أن يسمعوه قل عددهم أم كثر, وذلك بغض النظر عن المكان خاصاً كان أم عاماً.
الصورة الثانية:
الذم أو القدح الغيابي: أي أن يتم أي منهما في غياب المعتدى عليه شريطة أن يقع أثناء اجتماع المعتدى بأشخاص كثيرين مجتمعين - ولو لمرة واحدة- أو منفردين.
الصورة الثالثة:
الذم أو القدح الخطي: الذي قد يتم بإحدى الصور التالية:
-أ- بما ينشر ويذاع بين الناس أو بما يوزع على فئة منهم من البيانات أو الرسوم أو الصور الاستهزائية أو مسودات الرسوم (الرسوم قبل أن تزين وتصنع).
-ب- بما يرسل إلى المعتدي عليه من المكاتيب المفتوحة (غير المغلقة) وبطاقات البريد.
-ج- الذم أو القدح بواسطة المطبوعات وشرطه أن يقع أما بواسطة الجرائد والصحف اليومية أو الموقوتة أو بأي نوع كان من المطبوعات ووسائط النشر.
في حين نجد أن المشرع في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد قد اشترط لوقوع الجرم المنصوص عليه في هذه المادة بأي وسيلة علنية كانت, وقد حدد المشرع هذه الوسائل في المادة (73) من قانون العقوبات في قولها تعد وسائل للعلنية :
1- الأعمال والحركات إذا حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو حصلت في مكان ليس من المحال المذكورة غير أنها جرت على صورة يستطيع معها أن يُشاهدها أي شخص موجود في ألمحال المذكورة.
2- الكلام أو الصراخ سواء جهر بهما أو نقلاً بالوسائل الآلية بحيث يسمعها في كلا الحالتين من لا دخل له في الفعل.
3- الكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتقارير على اختلافها أو معرض للأنظار أو يبعث أو عرضت للبيع أو وزعت على أكثر من شخص , وبغض النظر عن تطابق أو عدم التطابق بين الصور التي يقع فيها الذم أو القدح والوسائل التي تقع فيها الجريمة المنصوص عليها في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد, إلاّ أن الأمر يحسم بالقول بأن هناك خلافاً بيَّن بين صور الذم والقدح ووسائل المادة (23), فالمشرع لم يُرْد وقوع الذم أو القدح في ذات الوسائل التي تقع فيها الجريمة المنصوص عليها في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد, إذ لو أراد ذلك لأحال وقوع الذم والقدح إلى الوسائل التي تقع فيها جريمة المادة (23).
ومن أوجه الاختلاف أيضاً في الأركان والعناصر بين الذم أو القدح وبين الجريمة المنصوص عليها في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد, أن جريمة الذم أو القدح تقوم متى نسب المعتدي إلى المعتدي عليه أي واقعه يمكن أن تنال من شرفه أو كرامته أو تعرضه إلى بغض الناس واحتقارهم سواء أكانت المادة جريمة تستلزم العقاب أم لا - أي لا تستلزم عقاب المعتدي لعذر محل أو لسبب تبرير أو إباحة, بغض النظر عن نوع الجريمة أو وصفها سواء تم تجريم الواقعة في القسم الخاص من قانون العقوبات أو في احد قوانين العقوبات الخاصة كجرائم المخدرات أو الاتجار بالبشر مثلاً, في حين اشترط نص المادة (23) لقيام جريمة هذا النص أن يكون الإسناد منصباً على ارتكاب أي فعل من أفعال الفساد المنصوص عليها حصراً في المادة (5) من هذا القانون المتمثلة فيما يلي:
1- الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة الواردة في قانون العقوبات وهذه الجرائم هي الرشوة المنصوص عليها في المواد 170- 173 وجرائم الاختلاس المنصوص عليها في المواد 174- 177 وجرائم التعدي على الحرية المنصوص عليهما في المواد 178- 181 وجرائم إساءة استعمال السلطة والإخلال بواجبات الوظيفة المنصوص عليها في المواد 182- .184
2- الجرائم المخلة بالثقة العامة وهي الجرائم المنصوص عليها في الباب الخامس من قانون العقوبات المتمثلة في جرائم تقليد ختم الدولة والعلامات الرسمية والبنكنوت والطوابع المنصوص عليها في المواد 236- 259 وهي جرائم نص عليها في الفصل الأول من هذا الباب وجرائم الفصل الثاني من هذا الباب أيضاً والمتمثلة في التزوير المواد 260 - 265 والمصدقات الكاذبة المواد 266- 268 وانتحال الهوية المادتان 269-270 والتزوير في الأوراق الخاصة المادتان 271-272.
3- الجرائم الاقتصادية المنصوص عليها في قانون الجرائم الاقتصادية رقم (11) لسنة1993.
4- كل فعل أو امتناع يؤدي إلى المساس بالأموال العامة وفقاً للمادة الثانية من قانون الإعفاء من الأموال العامة رقم (41) لسنة 2002 المتمثلة في جميع انواع الضرائب والرسوم والغرامات والذمم والديون والعوائد والأجور العائدة للخزينة العامة والمؤسسات العامة الرسمية والمؤسسات العامة أو البلديات أو أي جهة يعطي القانون الخاص بها هذه الصفة لأموالها أو أي جهة أخرى يقرر مجلس الوزراء اعتبارها أمولاً عامة. كما تعتبر الأموال الأميرية أمولاً عامة حيثما ورد النص على ذلك في أي تشريع من تشريعات الأموال العامة.
كما تشمل عبارة الأموال العامة لأغراض قانون الجرائم الاقتصادية وفقاً للمادة (215) من هنا القانون كل مال يكون مملوكاً أو خاضعاً لإدارة أي جهة من الجهات التالية:
-أ- الوزارات والدوائر والمؤسسات الرسمية العامة?
-ب- مجلسا الأعيان والنواب.
-ج- البلديات والمجالس القروية ومجالس الخدمات المشتركة.
-د- النقابات والاتحادات والجمعيات والنوادي.
-ه- البنوك والشركات المساهمة العامة ومؤسسات الإقراض المتخصصة.
-و- أي جهة ينص القانون - أي قانون - على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
5- جرائم إساءة استعمال السلطة خلافاً لإحكام القانون المنصوص عليها في القانون, وهي جرائم غفل المشرع أو ذهل أو جهل بأنها جرائم تدخل ضمن جرائم الباب الثالث من قانون العقوبات وبالتحديد جرائم البند رقم (5) الواقعة ضمن الجرائم المخلة بالثقة العامة والمنصوص عليها في المواد 182- 184 وسبقت الإشارة إليها ضمن ذلك الباب.
6- قبول الواسطة والمحسوبية التي تلغي حقاً أو تحق باطلاً, سواء كانت تلك الواسطة والمحسوبة تشكل جريمة أم لا.
7- جميع الأفعال الواردة في الاتفاقيات الدولية التي تعني بمكافحة الفساد وانضمت إليها المملكة.
وتأسيساً على ما تقدم, فإنه إذا لم يكن الإسناد متضمنا أي فعل من أفعال الفساد السابقة فإن هذا الإسناد لا يقع تحت طائلة نص المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد.
على انه لا يكفي لقيام الجرم المنصوص عليه في هذه المادة أن يكون الإسناد متضمناً فعلاً من أفعال الفساد المنوه عنها بأعلاه, بل لا بد أن يكون من شأن هذا الإسناد تحقيق غرض من الأغراض التالية:
-أ- الإساءة إلى سمعة من تم إسناد فعل الفساد إليه.
-ب- المس بكرامة من تم إسناد فعل الفساد إليه سواء أكان موظفاً عمومياً أو ما هو في حكمه أو لم يكن كذلك. وهذا الغرض يتفق مع إسناد الذم إلى المعتدى عليه.
-ج- اغتيال شخصية من تم إسناد فعل الفساد إليه واغتيال الشخصية يختلف عن اغتيال الشخص, فاغتيال الشخص هو قتله أو الاعتداء على حقه في الحياة وبالتحديد فإن هذا الاغتيال يقع ضمن الجرائم الواقعة على الإنسان أي ضمن الجرائم المنصوص عليها في المواد 326- 332 من قانون العقوبات.
أما اغتيال الشخصية فيقصد به القضاء على المكانة الاجتماعية للشخص التي تتكون من العديد من الصفات التي تؤهله لشغل مكانته الاجتماعية والتي تُكوَّن كل صفة منها عنصراً من عناصر الشرف والاعتبار, ويقع المساس بشرفه واعتباره إذا مست هذه الصفات بشكل كلي أو جزئي على نحو يغضُّ من صلاحيته أو أهليته لأداء وظيفته الاجتماعية أو مكانته الاجتماعية. ويمكن رد هذه الصفات إلى فئتين هما: فطرية مصدرها كرامة الإنسان, ومكتسبة باعتباره احد أعضاء الهيئة الاجتماعية يحصل عليها نتيجة لسلوكه وعلاقاته مع الآخرين أو للمركز الذي يحتله في مجتمعه, وهذه الأخيرة متعددة منها ما يتصل بأهليته أو صلاحيته لأداء التزاماته الأسرية والعائلية. ومنها ما يتصل بأهليته أو صلاحيته لخدمة وطنه عن طريق وظيفته أو مهنته وهذه العناصر متعادلة في القيمة القانونية.
ومن بين الفوارق بين الذم أو القدح أيضاً والجريمة المنصوص عليها في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد, النتائج التي يؤدي إليها الإسناد فعلاً, فالإسناد في الجريمة المنصوص عليها في المادة (23) قد يؤدي إلى الإساءة لسمعة المعتدي عليه أو المس بكرامته وهو ما يتفق مع النتائج التي يؤدي إليها الذم أو القدح, ولكن لا يشترط أن يؤدي الذم أو القدح إلى اغتيال شخصية المعتدي عليه, بل يكفي الإساءة لسمعته أو المس بكرامته, في حين لا يقع الجرم المنصوص عليه في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد إلاَّ إذا أدى فعلاً إلى اغتيال شخصية المعتدي عليه فيما هو خارج عن مفهوم الإساءة للسمعة أو المس بالكرامة وبعبارة أخرى, فإنه يكفي لقيام الذم أو القدح أن يكون من شأنه النيل من شرف أو كرامة أو بعض الناس أو احتقارهم لمن تم ذمه أو القدح به, فلا يشترط أن يؤدي فعلاً إلى تحقيق ما تقدم, خلافاً لجريمة المادة (23) إذ لا بد لقيامها أن تؤدي فعلاً إلى تحقيق أي غرض من الأغراض المنصوص عليها قانونا.ً ولا يكفي أن يكون من شأنها تحقيق ذلك. هذه هي الأركان أو العناصر التي تختلف فيها جرائم الذم أو القدح عن الأركان والعناصر التي تقوم عليها جريمة المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد, الأمر الذي يصح معه القول أنهما جريمتان مختلفتان متمايزتان وأن كلاً منهما يختلف عن الحيز الذي يشغله الجرم الآخر, بمعنى أن النظام القانوني العقابي الأردني يتسع لهذه الجرائم جميعاً.
وهكذا تسقط حجة من يقول بأنه لا داعي لجريمة المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد لأنها تكرار لجرائم الذم والقدح.
في ضوء ما تقدم, فإنه يمكننا أن نستشرف الحجج التي يستند إليها كل من المؤيدين والمعارضين لإضافة هذه المادة أو عدمها.
تتمثل الحجج الذي يمكن أن يستند إليها المؤيدون فيما يلي:
أولاً:إن الإسناد الذي قام به الفاعل يجب أن يكون محقاً على النحو الذي سبق لنا بيانه قبل لحظات, فإن كان قد وقع بحق, فإنه لا يقع تحت طائلة المسؤولية الجزائية أو حتى المدنية فلماذا الاعتراض على إسنادٍ تم بشكل قانوني??.
ثانياً:أن الجريمة التي يمكن أن تقع وفقاً لمنطق نص المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد لا تتحقق أو تتوافر بمجرد إسناد إي جريمة, وإنما لا بد أن تكون جريمة خطيرة على النحو الواردة في المادة (5) من قانون هيئة مكافحة الفساد, فإن لم تكن الجريمة من بين هذه الجرائم فإنه لا مجال لنهوض المسئولية الجزائية تجاه من وجه إليه الظن أو الاتهام.
ثالثاً:أن المادة المستحدثة قد اقتصرت في التجريم على الوسيلة الكتابية والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتقارير على اختلافها إذا عرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو بيعت أو عرضت للبيع أو وزعت على أكثر من شخص, ولكنها يمكن أن لا تدخل في نطاق التجريم إن تم الإسناد بواسطة المطبوعات أي بواسطة الجرائد والصحف اليومية أو الموقوتة أو بأي نوع كان من المطبوعات ووسائط النشر خلافاً لما فعله المشرع في تجريم الذم أو القدم إذ يقع الذم أو القدح خطياً وقد تكون وسيلة الذم أو القدح أما الكتابة وإما المطبوعات على منطق نص المادة (189) من قانون العقوبات, فالمشرع في الذم أو القدح الخطي قد جعل من صورة المطبوعات صورة مستقلة عن الوسيلة الكتابية وهو ما لم يفعله مشرع قانون هيئة المكافحة والفساد في المادة (23) منه. مع الاعتراف بأن هناك من يجعل - بحق - المطبوعات أو الطباعة صورة من صور الكتابة. لكن هذا ليس نهج المشرع لدينا في جرائم الذم أو الدح.
رابعاً:أن عقوبة الجريمة وفقاً لمنطق نص المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد هي الغرامة المتراوحة بين (30) ألف دينار و (60) ألف دينار وليس الحبس من شهرين إلى سنه وفقاً لما هو عليه في الذم بالنسبة للأشخاص العاديين وعقوبة الحبس بغض النظر عن مدتها هي أشد من عقوبة الغرامة مهما كانت قيمتها وفقاً لمنطق نص المادة (15) من قانون العقوبات التي قدمت في الترتيب الحبس على الغرامة مهما كانت قيمتها وبغض النظر عن ملاءة أو عدم ملاءة من سيقوم بدفعها, فالمناط في تحديد العقوبة الأشد هو القانون لا الشخص الذي سينفذ العقوبة, ويصدق نفس الحكم على القدح حيث تكون العقوبة أما الحبس من أسبوع إلى ثلاثة أشهر أو بالغرامة من خمسة دنانير إلى خمسة وعشرين ديناراً.
خامساً: أن تجريم الذم والقدح الوجاهي أو الغيابي يقوم حتى ولو لم يقع في محلات عامه أو أمكنة مباحة للجمهور أو معرضة للأنظار, فجوهره هو مجرد تعدد الأشخاص الذين يسمعونه أو كان بإمكانهم سماعه, في حين أن جريمة المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد لا تقوم في الأصل إلا إذا كانت الحركات أو الأعمال قد وقعت في محلات عامة أو مباحة للجمهور أو معرضة للأنظار, وإذا حصلت في غير هذه الأماكن فإنه يشترط للتجريم أن تكون قد جرت على صورة يستطيع معها أن يشاهدها أي شخص موجوداً في المحال المذكورة. وبمفهوم المخالفة لا تقوم هذه الجريمة إذا اقتصرت مشاهدتها على من كان موجود في الأماكن الخاصة. وينبني على هذه الحجج أيضاً أن الجريمة المستحدثة في المادة (23) من قانون مكافحة الفساد هي جريمة جديدة تختلف عن الذم أو القدح, فقد يكون مرتكبها غير مرتكب جريمة الذم أو القدح.
سادساً:لا يرد على هذا القول أن نص المادة (191) من قانون العقوبات مقصورة فقط على الطوائف المنصوص عليها قانوناً في تلك المادة وهم الموظفون العموميون ومن في حكمهم من المؤسسات العامة, في حين أن نص المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد أعم وأشمل على نحو تشمل الموظفين ومن في حكمهم وتشمل الأشخاص العاديين فيما إذا وجه الذم إليهم, هذا بالإضافة إلى أن أركان الذم المنصوص عليها في المادة (191) هي ذات أركان الذم الموجه للشخص العادي, غاية ما في الأمر أن توجيه الذم إلى الطوائف المنصوص عليها في المادة (191) من قانون العقوبات تشكل ظرفاً مشدداً فقط.
أما المعارضون فيمكنهم الاستناد إلى الحجج التالية:
أولاً:أن الجريمة الجديدة تقع بالأعمال والحركات وفقاً لمنطق نص المادة (73) من قانون العقوبات بالإضافة إلى القول أو الصياح, لذلك فقد وسعت من نطاق التجريم وتبعاً لذلك ضيقت من هامش حرية الرأي والتعبير خلافاً لما هو عليه الحال بالنسبة لجرائم الذم والقدح التي لا تقع بهذه الأعمال أو الحركات.
ثانياً:أنها ضيقت من نطاق التجريم من ناحية أخرى لأن قيامها لا يقتصر على إمكان النيل من شرف وكرامة أو بغض المعتدي عليه من قبل بعض الناس واحتقارهم وفقاً لما يتطلبه الذم أو القدح وإنما لا بد أن يؤدي فعلاً إلى تحقيق أي غرض من الأغراض المنصوص عليها قانونا في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد, فإمكان تحقيق الغرض أسهل وأوسع من ضرورة وقوعه فعلاً.
ثالثاً:أنها تعرض الفاعل الرئيسي أو المساهم إلى غرامة كبيرة جداً من حيث أنها تتراوح بين (30) ألف دينار و (60) ألف دينار وهذه عقوبة مالية كبيرة قد لا يستطيعها من يرتكب الجريمة.
رابعاً:يتصل بما تقدم أن فرض عقوبة مالية بهذه الضخامة يخرج عن المبادئ العقابية التي تقرر أن الجزاء يجب أن يكون من جنس العمل, فما قام به من اتهم باختراق حرية الرأي العام والتعبير, لم يقم بارتكاب جريمة من جرائم الأموال حتى تفرض عليه عقوبة مالية.
خامساً:مهما قيل من الناحية القانونية في أن الحبس أشد من الغرامة, إلاَّ أن هناك من يقول أن هذا المنطق يطبق على الأثرياء ولا يطبق على الفقراء أو ذوي الدخل المحدود إذ يروا هؤلاء عكس ذلك تماماً من أن الغرامة بالنسبة إليهم أشد من الحبس.
سادساً:يقول المعارضون إذا كان المقصود من المادة المستحدثة هو تجريم الذم الموجه إلى مجلس الأمة أو أحد أعضائه أثناء عمله او بسبب ما أجراه بحكم عمله أو إلى إحدى الهيئات الرسمية أو المحاكم أو الإدارات العامة أو الجيش أو إلى أي موظف أثناء قيامة بوظيفته أو بسبب ما أجراه بحكمها فهذا مجرم بمقتضى المادة (191) من قانون العقوبات, فلماذا الإتيان بنص إضافي خاصة وإن ما تضمنه هذا النص من ناحية أنه إذا طلب الذام السماح له بإثبات صحة ما عزاه إلى الموظف المعتدي عليه, يجاب إلى طلبه إذا كان ما عزاه متعلقاً بواجبات وظيفته أو كون جريمة تستلزم العقاب. تنطبق على طلب الفاعل في المادة (23) من قانون هيئة الفساد.
لماذا الإتيان بنص المادة (23) من القانون المذكور إذا كان الذم يتعلق بواجبات الوظيفة فقط وثبت صحته, صير إلى براءة الذام? بمعنى أنه إذا كان الذم محقاً فلا يقع من نسب إليه الفعل تحت طائلة المسؤولية الجزائية ويتعين التلفظ ببرائته?
باختصار لا تغني إحداهما عن أخراهما, فليست الأولى كالثانية, صحيح أنهما مشتبهان ولكنهما غير متشابهين.
تأسيساً على ما تقدم ندعو المشرع عند قيامة بواجبه في التشريع أن يدرك عدداً من الاعتبارات في مقدمتها أن التشريع فنُّ قائم بذاته, فليس في وسع أي رجل قانون القيام به بغض النظر عن ما إذا كان محامياً أو قاضياً, فالمحامي يدافع ويرافع والقاضي يحكم وليس أياً منهما مشرعاً.
كما أن من بين هذه الاعتبارات ضرورة قيام المشرع عند التشريع أو التعديل أن يقوم بمراجعة كافة النصوص التي لها مساس أو علاقة بما سيتم استنانه من نصوص حتى لا يكون هناك تضارب أو تعارض بين ما هو قائم وبين ما سيقوم. وهذا الأمر يحتاج إلى إحاطة بالتشريع وسعة إطلاع وإدراك. فهذه النصوص تشكل جميعها جزءاً من النظام القانوني في الدولة الواحدة, وهي ليست نصوصاً منقطعة الصلة فيما بينها حتى يصرف النظر عن الروابط التي تقوم فيما بينها. فهل من مستجيب?? أم هي يا ترى صرخة تهوي أو تدوي - كالعاده- في وادٍ سحيق??
* أستاذ الدراسات العليا لقانوني العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية
في الجامعة الأردنية سابقاً
صور الحائط
2011/11/06
المحامي الدكتور كامل السعيد
في ضوء ما ثار من خلاف حول: هل إضافة المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد رقم (62) لسنة 2006 لهذا القانون تعد تكراراً لنصوص الذم والقدح والتحقير وبذلك تعتبر تزيدَّاً لا معنى له, أم أنها مادة جديدة لها حيَّزها المستقل الذي تشغله حتى وأن كانت تتفق مع الذم والقدح والتحقير في بعض الأركان والعناصر, ولكنها تختلف معها في البعض الآخر, الأمر الذي يتوجب معه اعتبارها جرماً جديداً ضيَّق من هامش أو مساحة حرية الرأي والتعبير الممنوح لوسائل الإعلام وغيرها بموجب القوانين المرعية, وبالتالي يشكل تراجعاً خطيراً من قبل الدولة إن أقرت سلطاتها المختصة مثل هذا التعديل في ظل دولة سيادة القانون والإدعاءبيمنح المزيد من الديمقراطية.
على أي حال وقبل إلقاء الضوء على الحقيقة القانونية كما نراها بين الاتجاهين, نبيَّن أن حجة وسائل الإعلام في الاعتراض على إجراء كهذا تتمثل بأن هدف السلطات التنفيذية من وراء هذا التعديل هو التهديد باستخدام القانون الجزائي ضد كل من يمارس حقه في التعبير عن رأيه كشفاً لفساد قد يمارس من قبل المفسدين في البلد وتبعاً عدم ملاحقتهم جزائياً وإبقائهم على ما هم عليه من فساد, الأمر الذي يلحق الضرر بالدولة بكل مكوناتها, في حين تقوم الحجة العكسية على أن أساس التعديل هو حماية الوظيفة العامة وإحاطتها بسياج قوي دعماً لفكرة سلطان الدولة الذي يقوم على أشخاص موظفيها إذا كان المفسد موظفاً عاماً أو من هو في حكمه,أمَّا إذا كان المفسد شخصاً عادياً, فإن ما يبرر إضافة هذه المادة هو صيانة حرماته الشخصية وعدم المساس بخصوصيته وحقه في الحياة الخاصة التي يصونها له الدستور.
وبناء على ما تقدم فإنه لا بد لنا من تثبيت النص القانوني لجرائم الذم والقدح علماً أن كل ذم يشكل قدحاً وكل قدح يشكل تحقيراً وليس العكس صحيحاً, ثم نقوم بعد ذلك بتثبيت النص القانوني رقم (23) من قانون مكافحة الفساد, تمهيداً لتسليط الضوء عليهما.
نص المادة (188) من قانون العقوبات الأردني:
تنص المادة (188/1) من قانون العقوبات الأردني تعريف الذم بقولها إنه إسناد مادة معينة إلى شخص ما - ولو في معرض الشك والاستفهام -من شأنها أن تنال من شرفه وكرامته أو تعرضه إلى بغض الناس واحتقارهم سواء أكانت تلك المادة جريمة تستلزم العقاب أم لا.
نص المادة (188/2): التي عرفت القدح على انه هو الاعتداء على كرامة الغير أو شرفه أو اعتباره - ولو في معرض الشك والاستفهام- دون بيان مادة معينة.
أما المادة (198) من قانون العقوبات فقد حددت الصور التي إن استخدمت في الذم أو القدح فإنها تعرض مرتكبي هذه الجريمة للعقاب, حيث وردت على النحو التالي:
1- الذم أو القدح الوجاهي, ويشترط أن يقع:
أ-) في مجلس بمواجهة المعتدى عليه.
ب-) في مكان يمكن لأشخاص آخرين أن يسمعوه, قل عددهم أو كثر.
2-الذم أو القدح الغيابي, وشرطه أن يقع أثناء الاجتماع بأشخاص كثيرين مجتمعين أو منفردين.
3-الذم أو القدح الخطي, وشرطه أن يقع:
أ)بما ينشر ويذاع بين الناس أو بما يوزع على فئة منهم من الكتابات أو الرسوم أو الصور الاستهزائية أو مسودات الرسوم (الرسوم قبل أن تزين وتصنع).
ب)بما يرسل إلى المعتدى عليه من المكاتيب المفتوحة (غير المغلقة) وبطاقات البريد.
4-الذم أو القدح بواسطة المطبوعات وشرطه أن يقع:
أ)بواسطة الجرائد والصحف اليومية أو الموقوتة.
ب)بأي نوع كان من المطبوعات ووسائط النشر.
وبناء على ما تقدم فإنه يتعيَّن لقيام جريمة الذم أو القدح أن تتوافر العناصر التالية:
أولاً: الركن المادي يتمثل هذا الركن بتصرف فعلي أو قولي يتم فيه إسناد مادة معينة إلى شخص- ولو في معرض الشك والاستفهام - من شأنها أن تنال من شرفه وكرامته أو تعرضه إلى بغض الناس واحتقارهم سواء كانت تلك المادة جريمة تستلزم العقاب أم لا, الأمر الذي يمكن معه اعتبار هذا الإسناد أحد أوجه جرائم الرأي. والركن المادي يقوم بفعلين هما: الإسناد أي الإفصاح عن الواقعة المسندة أو التعبير عنها وإذاعتها بين الناس أو الإعلان عنها وإذا كان في الغالب أن يرتكب هذين التصرفين شخص واحد, إلا أن ثمة شيئاً لا يمنع من ارتكاب كل منهما من قبل كل شخص على حدة, وعندئذ يعد كل منهما شريكا أو فاعلاً مع الغير على مقتضى نص المادة 76 من قانون العقوبات الأردني. ونستنتج من هذا النص أنه يكفي لارتكاب الجرم لدينا أن يكون من شأن الواقعة المسندة إلى المجني عليه النيل من شرف وكرامة من أسندت إليه بغض النظر عن ما إذا كانت تشكل جريمة تستلزم العقاب أم لا.
ويتضمن الركن المادي صوراً تتناوب على تكوينه, يقتضي المقام مجرد الإشارة إليها الآن على أن نفصلها فيما بعد, وهذه الصورة كما حددتها المادة (189) من قانون العقوبات تتمثل على النحو التالي:
1-الذم أو القدح الوجاهي - أي بمواجهة المجني عليه (حضوره).
2-الذم أو القدح الغيابي- أي في غيبته
3-الذم أو القدح الخطي إما كتابة أو بواسطة المطبوعات.
وإذا كانت الصورتان الأوليان تتفقان في أنهما تتمثلان بالقول الشفوي فإن الصورة الثالثة هي خطية, وهذه الصور وإن كانت ذوات طبيعة علنية إلا أن الشارع لم ينص على علنيتها, أي لم يشترط وقوع الذم أو القدح بإحدى الوسائل العلنية المنصوص عليها في المادة (73) من قانون العقوبات الأردني بناءً على الإحالة إليها بمقتضى نص المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد التي سنبينها فيما بعد, وعلى أي حال فإن هذه الجريمة أو الجرائم لا تقوم بمجرد القول أو الكتابة وإنما لا بد من الإذاعة والتوزيع كي يعلم الناس بمضمونها أو يكون بإمكانهم العلم بها.
نص المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد التي تمت إضافتها بموجب مشروع القانون المعدل لقانون هيئة مكافحة الفساد حيث وردت على النحو التالي:-
كل من أشاع أو عزا أو نسب دون وجه حق إلى أحد الأشخاص أو ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية كانت أياً من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة (5) من هذا القانون أدى إلى الإساءة لسمعته أو المس بكرامته أو اغتيال شخصيته عوقب بغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف دينار ولا تتجاوز (60) ألف دينار.
أركان هذه الجريمة:
تقوم هذه الجريمة على الأركان التالية:
أولاً:الركن المادي: ويتمثل هذا الركن في أن هذا النص قد عدد الأفعال التي تتناوب على تكوينه, وهي أن يشيع المتهم أو يعزو أو ينسب إلى المجني عليه عملاً من أعمال الفساد المحددة قانوناً, وعمل الشيوع يعني أن المتهم قد أشاع بين عدد من الناس بأن المجني عليه قد قام بأي فعل من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة (5) وذلك بإحدى وسائل العلنية المنصوص عليها في المادة (73) من قانون العقوبات.
وبالمثل عزوه أو نسبه تلك الأفعال إلى المجني عليه, والعزو أو النسب مصطلحان متعددان لمعنى واحد, وما دام أن المشرع قد اشترط لوقوع هذه الجريمة أن ترتكب بأيَّ من هذه الأفعال الثلاثة المنوه عنها بأعلاه, وبإحدى طرق العلنية, فإن فعل الشيوع يفقد معناه المستقل الذي أشرنا إليه من ضرورة أن يكون قد تم بين عدد من الناس, فيكفي حصوله بوسيلة علنية شأنه تماماً شأن الفعلين الأخرين هما العزو والنسب. وقد كان بإمكان المشرع المعدل أن يستعيض عن ذكرهذه الأفعال الثلاثة المتناوبة بالقول من أسند دون وجه حق إلى أحد الأشخاص أو ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية... الخ, فهذه الأفعال تلتقي في معنى واحد هو فعل إسناد أي فعل من أفعال الفساد المنصوص عليها في المادة الخامسة من قانون هيئة مكافحة الفساد إلى المجني عليه. تماماً كما هو الحال في جريمة الذم, فالذم يتطلب صراحة الإسناد وكذلك الجرم المنصوص عليه في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد على اختلاف في الصيغ التي تضمنها وهي الشيوع والعزو والنسب وكلها تشكل إسناداً قام به الذم صراحة.
وقد اشترط المشرع صراحة أن يكون الإسناد في الجرم المنصوص عليه في المادة (23) قد تم بدون وجه حق, ولم يبين النص القانوني متى يكون قد تم بحق أو بدون وجه حق, ونحن نرى أنه لا يجوز أن يختلف الأمر في هذا المقام عنه في جرائم الذم. وعليه فإن الإسناد المنصوص عليه في المادة المستحدثة يكون محقاً في الحالات التي يكون فيها إسناد الذم محقاً وهي الحالات المنصوص عليها في المادة (192) من قانون العقوبات بفقراتها الثلاثة, حيث تنص هذه المادة على أنه إذا طلب الذام أن يسمح له بإثبات صحة ما عزاه إلى الموظف المعتدي عليه, فلا يجاب إلى طلبه إلا أن يكون ما عزاه متعلقاً بواجبات وظيفة ذلك الموظف أو يكون جريمة تستلزم العقاب قانوناً, - فإذا كان الذم يتعلق بواجبات الوظيفة فقط وثبتت صحته فيبرأ الذام وإلا فيحكم عليه بالعقوبة المقررة للذم, أما الفقرة الثالثة من هذه المادة فتنص على أنه إذا كان موضوع الذم جريمة وجرت ملاحقة ذلك الموظف بها وثبت أن الذام قد عزا ذلك وهو يعلم براءة الموظف المذكور انقلب الذم افتراء ووجب عندئذ العمل بأحكام المواد القانونية المختصة بالافتراء.
ونحن نرى أنه لا يسوغ اقتصار هذا النص أو تطبيق أحكامه على الإسناد المسند إلى الموظف, إذ ينسحب أيضاً على غير الموظف, أي على الشخص العادي أيضاً, فلا بد أن يسمح له بإثبات صحة ما نسبه أو عزاه من جرم, فما ورد في نص المادة (192) من قانون العقوبات يتضمن سبب تبرير أو إباحة لا يجوز أن يقتصر على من يسند إلى موظف جرماً حتى ولو كان غير متعلق بواجبات الوظيفة, فمصلحة المجتمع تقتضي الكشف عن الجرائم سواء كان مرتكبها موظفاً أم غير موظف, فأسباب التبرير أو الإباحة هي من الأحكام العامة التي تنطبق على جميع الجرائم والمجرمين والعقوبات, لأنها وردت في الأحكام العامة من قانون العقوبات, المواد (59-62) من قانون العقوبات أما سبب النص على الذم المسند للموظف في هذا المقام - أي وروده في نص المادة(192) من قانون العقوبات, فلأن هذه المادة قد تلت نص المادة (191) من ذات القانون التي تحدثت عن الذم الموجه للموظفين ولسائر الدوائر الرسمية أو المؤسسات العامة وما في حكمها.
إن ما نقول به ليس مقصوراً على ما توجبه طرائق التفسير القانونية من ضرورة العمل على التنسيق والاتساق بين النصوص القانونية في النظام القانوني التابع للدولة الواحدة فحسب, وإنما أيضاً إلى ما نصت عليه المادة (362) من قانون العقوبات في قولها ولا يسمح لمرتكب الذم أو القدح تبريراً لنفسه بإثبات صحة الفعل موضوع الذم والقدح أو إثبات اشتهاره إلا أن يكون موضوع الذم جرماً أو يكون موضوع القدح معدوداً قانوناً من الجرائم..... الخ إذن لا مجال للتفرقة بين الذم والجرم المنصوص عليه في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد في هذا النطاق.
كما أنه لا مجال للتفرقة بين المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد والمواد المنوه عنها قبل لحظات لنفس الأسباب السابقة أو بعضها من حيث ضرورة أن يكون المجني عليه شخصاً معيناً, ولكن ليس من الضروري أن يكون معينا بالاسم أو ذكر اسمه كاملاً, وإنما يكفي أن تكون عبارات الجاني موجهة على نحو يسهل معه معرفة الشخص الذي يعنيه الجاني, فإذا استطاعت المحكمة إدراك من هو هذا الشخص استنتاجاً من غير تكلف أو كبير عناء من فحوى العبارات التي استعملها الجاني عدَّ الجرم قائماً حتى ولو كان المقال خلواً من ذكر اسم الشخص المقصود, فلا يشترط إذن ذكر الاسم الذي يمكن فئة من الناس التعرف عليه, ومحكمة الموضوع هي التي تحدد ما إذا كانت البيانات التي ذكرها الحكم للقول بأنه حدد المجني عليه التحديد الكافي لمعرفة شخصيته, وذلك دون أن تكون لمحكمة التمييز رقابة عليها. وتطبيقاً لما تقدم يعتبر التحديد كافياً إذا ذكر المتهم الأحرف الأولى من اسم المجني عليه أو حدد مهنته أو القرية أو الحي الذي ولد ونشأ فيه أو وضع صورته إلى جانب المقال الذي تضمن عبارات الإسناد, فلا يرد على ذلك القول بأن المشرع قد ذكر في نص المادة (188) من قانون العقوبات عبارة - ولو في معرض الشك والاستفهام- في حين لم يذكرها في نص المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد. فالعلَّة في تحديد شخص الجاني واحدة في الحالتين, واتحاد العلة يوجب اتحاد الحكم فعبارة - ولو في معرض الشك والاستفهام- تعني أن صيغة الإسناد قد تكون تشكيكية أو ظنية أو احتمالية بالإضافة إلى أنها قد تكون توكيدية.
يبدو أن ما أشرنا إليه لغاية الآن في هذا المقال هو أمر متفق عليه بين جرائم الذم أو القدح وبين الجريمة المنصوص عليها في المادة (23) من قانون مكافحة الفساد ولا مجال للاتفاق بينهما فيما وراء ذلك.
فالمادة (189) من قانون العقوبات اشترطت - كما أشرنا بعد لحظات - أن يقع الذم أو القدح في إحدى صور ثلاث هي:
الصورة الأولى:
1-الذم أو القدح الوجاهي الذي يشترط فيه أن يقع في:
أ) في مجلس بمواجهة المعتدى عليه أي في مجلس ضم عدداً من الأشخاص من بينهم المعتدي عليه.
ب)في مكان يمكن لأشخاص آخرين أن يسمعوه قل عددهم أم كثر, وهذا يعني أن يقع الذم أو القدح من المعتدي في مواجهة المعتدى عليه, ولكن يتم في مكان يمكن لأشخاص آخرين أن يسمعوه قل عددهم أم كثر, وذلك بغض النظر عن المكان خاصاً كان أم عاماً.
الصورة الثانية:
الذم أو القدح الغيابي: أي أن يتم أي منهما في غياب المعتدى عليه شريطة أن يقع أثناء اجتماع المعتدى بأشخاص كثيرين مجتمعين - ولو لمرة واحدة- أو منفردين.
الصورة الثالثة:
الذم أو القدح الخطي: الذي قد يتم بإحدى الصور التالية:
-أ- بما ينشر ويذاع بين الناس أو بما يوزع على فئة منهم من البيانات أو الرسوم أو الصور الاستهزائية أو مسودات الرسوم (الرسوم قبل أن تزين وتصنع).
-ب- بما يرسل إلى المعتدي عليه من المكاتيب المفتوحة (غير المغلقة) وبطاقات البريد.
-ج- الذم أو القدح بواسطة المطبوعات وشرطه أن يقع أما بواسطة الجرائد والصحف اليومية أو الموقوتة أو بأي نوع كان من المطبوعات ووسائط النشر.
في حين نجد أن المشرع في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد قد اشترط لوقوع الجرم المنصوص عليه في هذه المادة بأي وسيلة علنية كانت, وقد حدد المشرع هذه الوسائل في المادة (73) من قانون العقوبات في قولها تعد وسائل للعلنية :
1- الأعمال والحركات إذا حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو حصلت في مكان ليس من المحال المذكورة غير أنها جرت على صورة يستطيع معها أن يُشاهدها أي شخص موجود في ألمحال المذكورة.
2- الكلام أو الصراخ سواء جهر بهما أو نقلاً بالوسائل الآلية بحيث يسمعها في كلا الحالتين من لا دخل له في الفعل.
3- الكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتقارير على اختلافها أو معرض للأنظار أو يبعث أو عرضت للبيع أو وزعت على أكثر من شخص , وبغض النظر عن تطابق أو عدم التطابق بين الصور التي يقع فيها الذم أو القدح والوسائل التي تقع فيها الجريمة المنصوص عليها في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد, إلاّ أن الأمر يحسم بالقول بأن هناك خلافاً بيَّن بين صور الذم والقدح ووسائل المادة (23), فالمشرع لم يُرْد وقوع الذم أو القدح في ذات الوسائل التي تقع فيها الجريمة المنصوص عليها في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد, إذ لو أراد ذلك لأحال وقوع الذم والقدح إلى الوسائل التي تقع فيها جريمة المادة (23).
ومن أوجه الاختلاف أيضاً في الأركان والعناصر بين الذم أو القدح وبين الجريمة المنصوص عليها في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد, أن جريمة الذم أو القدح تقوم متى نسب المعتدي إلى المعتدي عليه أي واقعه يمكن أن تنال من شرفه أو كرامته أو تعرضه إلى بغض الناس واحتقارهم سواء أكانت المادة جريمة تستلزم العقاب أم لا - أي لا تستلزم عقاب المعتدي لعذر محل أو لسبب تبرير أو إباحة, بغض النظر عن نوع الجريمة أو وصفها سواء تم تجريم الواقعة في القسم الخاص من قانون العقوبات أو في احد قوانين العقوبات الخاصة كجرائم المخدرات أو الاتجار بالبشر مثلاً, في حين اشترط نص المادة (23) لقيام جريمة هذا النص أن يكون الإسناد منصباً على ارتكاب أي فعل من أفعال الفساد المنصوص عليها حصراً في المادة (5) من هذا القانون المتمثلة فيما يلي:
1- الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة الواردة في قانون العقوبات وهذه الجرائم هي الرشوة المنصوص عليها في المواد 170- 173 وجرائم الاختلاس المنصوص عليها في المواد 174- 177 وجرائم التعدي على الحرية المنصوص عليهما في المواد 178- 181 وجرائم إساءة استعمال السلطة والإخلال بواجبات الوظيفة المنصوص عليها في المواد 182- .184
2- الجرائم المخلة بالثقة العامة وهي الجرائم المنصوص عليها في الباب الخامس من قانون العقوبات المتمثلة في جرائم تقليد ختم الدولة والعلامات الرسمية والبنكنوت والطوابع المنصوص عليها في المواد 236- 259 وهي جرائم نص عليها في الفصل الأول من هذا الباب وجرائم الفصل الثاني من هذا الباب أيضاً والمتمثلة في التزوير المواد 260 - 265 والمصدقات الكاذبة المواد 266- 268 وانتحال الهوية المادتان 269-270 والتزوير في الأوراق الخاصة المادتان 271-272.
3- الجرائم الاقتصادية المنصوص عليها في قانون الجرائم الاقتصادية رقم (11) لسنة1993.
4- كل فعل أو امتناع يؤدي إلى المساس بالأموال العامة وفقاً للمادة الثانية من قانون الإعفاء من الأموال العامة رقم (41) لسنة 2002 المتمثلة في جميع انواع الضرائب والرسوم والغرامات والذمم والديون والعوائد والأجور العائدة للخزينة العامة والمؤسسات العامة الرسمية والمؤسسات العامة أو البلديات أو أي جهة يعطي القانون الخاص بها هذه الصفة لأموالها أو أي جهة أخرى يقرر مجلس الوزراء اعتبارها أمولاً عامة. كما تعتبر الأموال الأميرية أمولاً عامة حيثما ورد النص على ذلك في أي تشريع من تشريعات الأموال العامة.
كما تشمل عبارة الأموال العامة لأغراض قانون الجرائم الاقتصادية وفقاً للمادة (215) من هنا القانون كل مال يكون مملوكاً أو خاضعاً لإدارة أي جهة من الجهات التالية:
-أ- الوزارات والدوائر والمؤسسات الرسمية العامة?
-ب- مجلسا الأعيان والنواب.
-ج- البلديات والمجالس القروية ومجالس الخدمات المشتركة.
-د- النقابات والاتحادات والجمعيات والنوادي.
-ه- البنوك والشركات المساهمة العامة ومؤسسات الإقراض المتخصصة.
-و- أي جهة ينص القانون - أي قانون - على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
5- جرائم إساءة استعمال السلطة خلافاً لإحكام القانون المنصوص عليها في القانون, وهي جرائم غفل المشرع أو ذهل أو جهل بأنها جرائم تدخل ضمن جرائم الباب الثالث من قانون العقوبات وبالتحديد جرائم البند رقم (5) الواقعة ضمن الجرائم المخلة بالثقة العامة والمنصوص عليها في المواد 182- 184 وسبقت الإشارة إليها ضمن ذلك الباب.
6- قبول الواسطة والمحسوبية التي تلغي حقاً أو تحق باطلاً, سواء كانت تلك الواسطة والمحسوبة تشكل جريمة أم لا.
7- جميع الأفعال الواردة في الاتفاقيات الدولية التي تعني بمكافحة الفساد وانضمت إليها المملكة.
وتأسيساً على ما تقدم, فإنه إذا لم يكن الإسناد متضمنا أي فعل من أفعال الفساد السابقة فإن هذا الإسناد لا يقع تحت طائلة نص المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد.
على انه لا يكفي لقيام الجرم المنصوص عليه في هذه المادة أن يكون الإسناد متضمناً فعلاً من أفعال الفساد المنوه عنها بأعلاه, بل لا بد أن يكون من شأن هذا الإسناد تحقيق غرض من الأغراض التالية:
-أ- الإساءة إلى سمعة من تم إسناد فعل الفساد إليه.
-ب- المس بكرامة من تم إسناد فعل الفساد إليه سواء أكان موظفاً عمومياً أو ما هو في حكمه أو لم يكن كذلك. وهذا الغرض يتفق مع إسناد الذم إلى المعتدى عليه.
-ج- اغتيال شخصية من تم إسناد فعل الفساد إليه واغتيال الشخصية يختلف عن اغتيال الشخص, فاغتيال الشخص هو قتله أو الاعتداء على حقه في الحياة وبالتحديد فإن هذا الاغتيال يقع ضمن الجرائم الواقعة على الإنسان أي ضمن الجرائم المنصوص عليها في المواد 326- 332 من قانون العقوبات.
أما اغتيال الشخصية فيقصد به القضاء على المكانة الاجتماعية للشخص التي تتكون من العديد من الصفات التي تؤهله لشغل مكانته الاجتماعية والتي تُكوَّن كل صفة منها عنصراً من عناصر الشرف والاعتبار, ويقع المساس بشرفه واعتباره إذا مست هذه الصفات بشكل كلي أو جزئي على نحو يغضُّ من صلاحيته أو أهليته لأداء وظيفته الاجتماعية أو مكانته الاجتماعية. ويمكن رد هذه الصفات إلى فئتين هما: فطرية مصدرها كرامة الإنسان, ومكتسبة باعتباره احد أعضاء الهيئة الاجتماعية يحصل عليها نتيجة لسلوكه وعلاقاته مع الآخرين أو للمركز الذي يحتله في مجتمعه, وهذه الأخيرة متعددة منها ما يتصل بأهليته أو صلاحيته لأداء التزاماته الأسرية والعائلية. ومنها ما يتصل بأهليته أو صلاحيته لخدمة وطنه عن طريق وظيفته أو مهنته وهذه العناصر متعادلة في القيمة القانونية.
ومن بين الفوارق بين الذم أو القدح أيضاً والجريمة المنصوص عليها في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد, النتائج التي يؤدي إليها الإسناد فعلاً, فالإسناد في الجريمة المنصوص عليها في المادة (23) قد يؤدي إلى الإساءة لسمعة المعتدي عليه أو المس بكرامته وهو ما يتفق مع النتائج التي يؤدي إليها الذم أو القدح, ولكن لا يشترط أن يؤدي الذم أو القدح إلى اغتيال شخصية المعتدي عليه, بل يكفي الإساءة لسمعته أو المس بكرامته, في حين لا يقع الجرم المنصوص عليه في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد إلاَّ إذا أدى فعلاً إلى اغتيال شخصية المعتدي عليه فيما هو خارج عن مفهوم الإساءة للسمعة أو المس بالكرامة وبعبارة أخرى, فإنه يكفي لقيام الذم أو القدح أن يكون من شأنه النيل من شرف أو كرامة أو بعض الناس أو احتقارهم لمن تم ذمه أو القدح به, فلا يشترط أن يؤدي فعلاً إلى تحقيق ما تقدم, خلافاً لجريمة المادة (23) إذ لا بد لقيامها أن تؤدي فعلاً إلى تحقيق أي غرض من الأغراض المنصوص عليها قانونا.ً ولا يكفي أن يكون من شأنها تحقيق ذلك. هذه هي الأركان أو العناصر التي تختلف فيها جرائم الذم أو القدح عن الأركان والعناصر التي تقوم عليها جريمة المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد, الأمر الذي يصح معه القول أنهما جريمتان مختلفتان متمايزتان وأن كلاً منهما يختلف عن الحيز الذي يشغله الجرم الآخر, بمعنى أن النظام القانوني العقابي الأردني يتسع لهذه الجرائم جميعاً.
وهكذا تسقط حجة من يقول بأنه لا داعي لجريمة المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد لأنها تكرار لجرائم الذم والقدح.
في ضوء ما تقدم, فإنه يمكننا أن نستشرف الحجج التي يستند إليها كل من المؤيدين والمعارضين لإضافة هذه المادة أو عدمها.
تتمثل الحجج الذي يمكن أن يستند إليها المؤيدون فيما يلي:
أولاً:إن الإسناد الذي قام به الفاعل يجب أن يكون محقاً على النحو الذي سبق لنا بيانه قبل لحظات, فإن كان قد وقع بحق, فإنه لا يقع تحت طائلة المسؤولية الجزائية أو حتى المدنية فلماذا الاعتراض على إسنادٍ تم بشكل قانوني??.
ثانياً:أن الجريمة التي يمكن أن تقع وفقاً لمنطق نص المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد لا تتحقق أو تتوافر بمجرد إسناد إي جريمة, وإنما لا بد أن تكون جريمة خطيرة على النحو الواردة في المادة (5) من قانون هيئة مكافحة الفساد, فإن لم تكن الجريمة من بين هذه الجرائم فإنه لا مجال لنهوض المسئولية الجزائية تجاه من وجه إليه الظن أو الاتهام.
ثالثاً:أن المادة المستحدثة قد اقتصرت في التجريم على الوسيلة الكتابية والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتقارير على اختلافها إذا عرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو بيعت أو عرضت للبيع أو وزعت على أكثر من شخص, ولكنها يمكن أن لا تدخل في نطاق التجريم إن تم الإسناد بواسطة المطبوعات أي بواسطة الجرائد والصحف اليومية أو الموقوتة أو بأي نوع كان من المطبوعات ووسائط النشر خلافاً لما فعله المشرع في تجريم الذم أو القدم إذ يقع الذم أو القدح خطياً وقد تكون وسيلة الذم أو القدح أما الكتابة وإما المطبوعات على منطق نص المادة (189) من قانون العقوبات, فالمشرع في الذم أو القدح الخطي قد جعل من صورة المطبوعات صورة مستقلة عن الوسيلة الكتابية وهو ما لم يفعله مشرع قانون هيئة المكافحة والفساد في المادة (23) منه. مع الاعتراف بأن هناك من يجعل - بحق - المطبوعات أو الطباعة صورة من صور الكتابة. لكن هذا ليس نهج المشرع لدينا في جرائم الذم أو الدح.
رابعاً:أن عقوبة الجريمة وفقاً لمنطق نص المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد هي الغرامة المتراوحة بين (30) ألف دينار و (60) ألف دينار وليس الحبس من شهرين إلى سنه وفقاً لما هو عليه في الذم بالنسبة للأشخاص العاديين وعقوبة الحبس بغض النظر عن مدتها هي أشد من عقوبة الغرامة مهما كانت قيمتها وفقاً لمنطق نص المادة (15) من قانون العقوبات التي قدمت في الترتيب الحبس على الغرامة مهما كانت قيمتها وبغض النظر عن ملاءة أو عدم ملاءة من سيقوم بدفعها, فالمناط في تحديد العقوبة الأشد هو القانون لا الشخص الذي سينفذ العقوبة, ويصدق نفس الحكم على القدح حيث تكون العقوبة أما الحبس من أسبوع إلى ثلاثة أشهر أو بالغرامة من خمسة دنانير إلى خمسة وعشرين ديناراً.
خامساً: أن تجريم الذم والقدح الوجاهي أو الغيابي يقوم حتى ولو لم يقع في محلات عامه أو أمكنة مباحة للجمهور أو معرضة للأنظار, فجوهره هو مجرد تعدد الأشخاص الذين يسمعونه أو كان بإمكانهم سماعه, في حين أن جريمة المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد لا تقوم في الأصل إلا إذا كانت الحركات أو الأعمال قد وقعت في محلات عامة أو مباحة للجمهور أو معرضة للأنظار, وإذا حصلت في غير هذه الأماكن فإنه يشترط للتجريم أن تكون قد جرت على صورة يستطيع معها أن يشاهدها أي شخص موجوداً في المحال المذكورة. وبمفهوم المخالفة لا تقوم هذه الجريمة إذا اقتصرت مشاهدتها على من كان موجود في الأماكن الخاصة. وينبني على هذه الحجج أيضاً أن الجريمة المستحدثة في المادة (23) من قانون مكافحة الفساد هي جريمة جديدة تختلف عن الذم أو القدح, فقد يكون مرتكبها غير مرتكب جريمة الذم أو القدح.
سادساً:لا يرد على هذا القول أن نص المادة (191) من قانون العقوبات مقصورة فقط على الطوائف المنصوص عليها قانوناً في تلك المادة وهم الموظفون العموميون ومن في حكمهم من المؤسسات العامة, في حين أن نص المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد أعم وأشمل على نحو تشمل الموظفين ومن في حكمهم وتشمل الأشخاص العاديين فيما إذا وجه الذم إليهم, هذا بالإضافة إلى أن أركان الذم المنصوص عليها في المادة (191) هي ذات أركان الذم الموجه للشخص العادي, غاية ما في الأمر أن توجيه الذم إلى الطوائف المنصوص عليها في المادة (191) من قانون العقوبات تشكل ظرفاً مشدداً فقط.
أما المعارضون فيمكنهم الاستناد إلى الحجج التالية:
أولاً:أن الجريمة الجديدة تقع بالأعمال والحركات وفقاً لمنطق نص المادة (73) من قانون العقوبات بالإضافة إلى القول أو الصياح, لذلك فقد وسعت من نطاق التجريم وتبعاً لذلك ضيقت من هامش حرية الرأي والتعبير خلافاً لما هو عليه الحال بالنسبة لجرائم الذم والقدح التي لا تقع بهذه الأعمال أو الحركات.
ثانياً:أنها ضيقت من نطاق التجريم من ناحية أخرى لأن قيامها لا يقتصر على إمكان النيل من شرف وكرامة أو بغض المعتدي عليه من قبل بعض الناس واحتقارهم وفقاً لما يتطلبه الذم أو القدح وإنما لا بد أن يؤدي فعلاً إلى تحقيق أي غرض من الأغراض المنصوص عليها قانونا في المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد, فإمكان تحقيق الغرض أسهل وأوسع من ضرورة وقوعه فعلاً.
ثالثاً:أنها تعرض الفاعل الرئيسي أو المساهم إلى غرامة كبيرة جداً من حيث أنها تتراوح بين (30) ألف دينار و (60) ألف دينار وهذه عقوبة مالية كبيرة قد لا يستطيعها من يرتكب الجريمة.
رابعاً:يتصل بما تقدم أن فرض عقوبة مالية بهذه الضخامة يخرج عن المبادئ العقابية التي تقرر أن الجزاء يجب أن يكون من جنس العمل, فما قام به من اتهم باختراق حرية الرأي العام والتعبير, لم يقم بارتكاب جريمة من جرائم الأموال حتى تفرض عليه عقوبة مالية.
خامساً:مهما قيل من الناحية القانونية في أن الحبس أشد من الغرامة, إلاَّ أن هناك من يقول أن هذا المنطق يطبق على الأثرياء ولا يطبق على الفقراء أو ذوي الدخل المحدود إذ يروا هؤلاء عكس ذلك تماماً من أن الغرامة بالنسبة إليهم أشد من الحبس.
سادساً:يقول المعارضون إذا كان المقصود من المادة المستحدثة هو تجريم الذم الموجه إلى مجلس الأمة أو أحد أعضائه أثناء عمله او بسبب ما أجراه بحكم عمله أو إلى إحدى الهيئات الرسمية أو المحاكم أو الإدارات العامة أو الجيش أو إلى أي موظف أثناء قيامة بوظيفته أو بسبب ما أجراه بحكمها فهذا مجرم بمقتضى المادة (191) من قانون العقوبات, فلماذا الإتيان بنص إضافي خاصة وإن ما تضمنه هذا النص من ناحية أنه إذا طلب الذام السماح له بإثبات صحة ما عزاه إلى الموظف المعتدي عليه, يجاب إلى طلبه إذا كان ما عزاه متعلقاً بواجبات وظيفته أو كون جريمة تستلزم العقاب. تنطبق على طلب الفاعل في المادة (23) من قانون هيئة الفساد.
لماذا الإتيان بنص المادة (23) من القانون المذكور إذا كان الذم يتعلق بواجبات الوظيفة فقط وثبت صحته, صير إلى براءة الذام? بمعنى أنه إذا كان الذم محقاً فلا يقع من نسب إليه الفعل تحت طائلة المسؤولية الجزائية ويتعين التلفظ ببرائته?
باختصار لا تغني إحداهما عن أخراهما, فليست الأولى كالثانية, صحيح أنهما مشتبهان ولكنهما غير متشابهين.
تأسيساً على ما تقدم ندعو المشرع عند قيامة بواجبه في التشريع أن يدرك عدداً من الاعتبارات في مقدمتها أن التشريع فنُّ قائم بذاته, فليس في وسع أي رجل قانون القيام به بغض النظر عن ما إذا كان محامياً أو قاضياً, فالمحامي يدافع ويرافع والقاضي يحكم وليس أياً منهما مشرعاً.
كما أن من بين هذه الاعتبارات ضرورة قيام المشرع عند التشريع أو التعديل أن يقوم بمراجعة كافة النصوص التي لها مساس أو علاقة بما سيتم استنانه من نصوص حتى لا يكون هناك تضارب أو تعارض بين ما هو قائم وبين ما سيقوم. وهذا الأمر يحتاج إلى إحاطة بالتشريع وسعة إطلاع وإدراك. فهذه النصوص تشكل جميعها جزءاً من النظام القانوني في الدولة الواحدة, وهي ليست نصوصاً منقطعة الصلة فيما بينها حتى يصرف النظر عن الروابط التي تقوم فيما بينها. فهل من مستجيب?? أم هي يا ترى صرخة تهوي أو تدوي - كالعاده- في وادٍ سحيق??
* أستاذ الدراسات العليا لقانوني العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية
في الجامعة الأردنية سابقاً
صور الحائط
مواضيع مماثلة
» الحقوقي » مواد المرحلة الثالثة / قانون » قانون العقوبات الخاص » محاضرات قانون العقوبات الخاص ، لغاية المحاضرة الخامسة
» تقييم لقانون الانتخاب وفق الصوت الواحد-وصف رئيس الوزراء الاسبق احمد عبيدات قانون الصوت الواحد بـ المتخلف
» من خريجي المعهد القضائي الأردني
» تشخيص الفساد في اي مجتمع -وجة نظر-منقول
» تقييم ونقد لقانون الانتخاب
» تقييم لقانون الانتخاب وفق الصوت الواحد-وصف رئيس الوزراء الاسبق احمد عبيدات قانون الصوت الواحد بـ المتخلف
» من خريجي المعهد القضائي الأردني
» تشخيص الفساد في اي مجتمع -وجة نظر-منقول
» تقييم ونقد لقانون الانتخاب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى