منتدى الطريق للحق.. بإدراة المحامي حسن موسى الطراونة
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم...... يشرفنا أن تقوم بالتسجيل ...

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى الطريق للحق.. بإدراة المحامي حسن موسى الطراونة
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم...... يشرفنا أن تقوم بالتسجيل ...
منتدى الطريق للحق.. بإدراة المحامي حسن موسى الطراونة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حقائق عن قضية فلسطين- الحلقة الأولى

اذهب الى الأسفل

حقائق عن قضية فلسطين- الحلقة الأولى Empty حقائق عن قضية فلسطين- الحلقة الأولى

مُساهمة  المحامي حسن الطراونة الخميس أغسطس 25, 2011 4:36 am

حقائق عن قضية فلسطين



للحاج أمين الحسيني رحمه الله

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]



"كذبة بيع الفلسطينيين لأرضهم "



الفلسطينيون لم يفرطوا في وطنهم وقد دافعوا عنه أشرف دفاع

الأعداء يذيعون دعايات كاذبة وأراجيف مضللة ضد الفلسطينيين





السؤال الأول

اتهم بعض الناس أهل فلسطين بالتفريط في حقوق وطنهم . وتتلخص التهم المعزوّة إليهم في ثلاثة أمور :

أ- إن كثيرا منهم باعوا أراضيهم لليهود، وأن بعض البائعين استصدر عفوا من بعض المنظمات الوطنية لقاء دفع مبلغ من المال؟

ب- إن عرب فلسطين لم يدافعوا عن وطنهم أثناء حرب فلسطين، وخلال عهد الانتداب البريطاني؟

ج- إن أهل فلسطين كانوا يشتغلون لحساب اليهود ويبيعون ضباط وجنود الجيوش العربية للصهيونيين .

فماذا تقولون في ذلك ؟

الجواب :

قبل الإجابة على أسئلتكم لابد لي من مقدمة وجيزة تساعد على توضيح الأوضاع الحقيقية .

كانت فلسطين قبل حرب عام 1914جزءاً من الدولة العثمانية .

وهي رقعة صغيرة من الأرض مساحتها نحو ستة وعشرين ألف كيلومتر مربع، فلما انهارت هذه الدولة في نهاية الحرب العالمية الأولى وقعت فلسطين بين مخالب الاستعمار البريطاني من ناحية وجشع اليهودية العالمية من ناحية أخرى، وجعلت تتخبط بين هاتين القوتين العظيمتين وليس لها أي ساعد أو نصير، ولم يكن لدى أهلها من وسائل المقاومة والدفاع ما يستطيعون به دفع أذى أو رد عادية.

وبالرغم من ذلك قامت جماعة من أبناء فلسطين المخلصين، يبذلون جهودهم الضئيلة، وينظمون صفوفهم القليلة، ويؤلفون جبهة متواضعة أمام تلك القوى الدولية العاتية، وكان سلاحهم الوحيد الإيمان والإخلاص .

وبالرغم من عدم التكافؤ بين القوتين والجبهتين، فقد نشبت معركة هائلة طويلة المدى لم تلن فيها لعرب فلسطين قناة ولم تهن لهم عزيمة في كل أدوار الكفاح والنضال، مدة ثلاثين عاماً حاول خلالها الاستعمار البريطاني – متآمراً مع اليهودية العالمية – بلوغ أغراضه ومقاصده في فلسطين بالوسائل الآتية :



من الناحية السياسية :

أ- لقد حاولوا بادئ ذي بدء أن يحمّلوا عرب فلسطين على الرضوخ والإذعان لخطتهم الغاشمة، والموافقة على سياسة إنشاء الوطن القومي اليهودي، فتوسلوا بجميع وسائل الإغراء السياسية والمالية، وأساليب الدهاء والخداع، والوعد والوعيد، لحملهم على الموافقة، وليتخذوا من موافقتهم حجة يبررون بها أمام العالم جريمتهم الفظيعة في تحويل هذه البلاد العربية المقدسة إلى وطن يهودي بعد إجلاء أهلها عنها، ويكسبون جريمتهم المنكرة صفة شرعية، ولكنهم فشلوا في هذه المحاولة فشلاً تاماً .

من ناحية امتلاك الأراضي :

ب- فلما سقط في أيديهم جعلوا أكبر همهم اشتراء أرض فلسطين بالمال وامتلاك البلاد عملياً بهذه الوسيلة، فألقوا بمئات الملايين من لجنيهات، فارتفعت أسعار الأرض إلى عشرات الأضعاف، بل إلى مئاتها في بعض الأحيان . ولكن عرب فلسطين صمدوا أمام هذه التجربة أيضاً. مستهينين بالمال الذي لم يستطع أعداؤهم إغراءهم به، واحتفظوا بأراضيهم بوسائل سيأتي ذكر بعضها عند الجواب على سؤالكم الخاص بهذا الموضوع. وقد انتهى الانتداب البريطاني في 15 مايو 1948 ولم يستطع اليهود بالرغم مما حصلوا عليه من مساعدات وهبات وتسهيلات من حكومة الانتداب البريطاني أن يمتلكوا إلا نحو سبعة في المائة من مجموع أراضي فلسطين. وكانت خيبة آمالهم في هذه الناحية لا تقل عن فشلهم في محاولتهم الأولى السياسية .



من الناحية العسكرية :

ج- ما انفك الإنجليز – منذ احتلالهم لفلسطين – يساعدون اليهود بمختلف الوسائل على التسلح والتدرب والتنظيم العسكري، في الحين الذي كانوا يحرمون فيه جميع ذلك على عرب فلسطين، بل يحكمون بالإعدام على من يحوز أي نوع من السلاح أو العتاد، حتى أن وزير المستعمرات البريطانية مستر كريتش جونز اعترف في تصريح له في مجلس العموم البريطاني أن الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية البريطانية بالإعدام شنقاً من العرب لحيازتهم أسلحة أو ذخيرة كانوا (148) شخصاً" . هذا عدا بضعة ألوف فتك فيهم الإنجليز خلال ثورات 1936– 1939.

فلما اشتد ساعد اليهود بالسلاح والتدريب والتعضيد البريطاني، قاموا بمحاولتهم الثالثة وهي الوصول إلى أهدافهم عن طريق القوة وظهرت هذه المحاولة بجلاء في اعتداءات اليهود عام 1929 و1936 و1947 وغيرها . ولكن عرب فلسطين على قلة وسائلهم صدوهم ببسالة وهزموهم شر هزيمة في جميع المعارك رغم مساعدة الإنجليز لهم وحشدهم القوات العسكرية البريطانية بقيادة مشاهير قوادهم كالجنرال دل والمارشال ويفل وغيرهما لخضد شوكة عرب فلسطين. ولما سقط في أيدي الإنجليز واليهود معا ويئسوا من ترويض عرب فلسطين وإخضاعهم بالوسائل آنفة الذكر، عمدوا إلى أساليب أخرى كان سلاحهم فيها الخداع والدهاء، وقد سخروا فيها أنصارهم وأذنابهم خارج فلسطين لتنفيذ خططهم الخطيرة بوسائلهم الشيطانية، مما أدى إلى وقوع كارثة فلسطين . وستجدون إيضاح ذلك في الأجوبة على أسئلتكم .



الفلسطينيون لم يفرطوا في أراضيهم:

1- لا صحة لهذه التهم التي يروجها الأعداء من يهود ومستعمرين فإن العطف الذي بدأ من مصر وسائر الأقطار العربية على قضية فلسطين والحماسة الشديدة لها، والتنادي لنصرتها والاستماتة في سبيل الذود عنها، أقلق هؤلاء الأعداء، فشرعوا ينشرون الأراجيف ويذيعون الإشاعات الباطلة عن أهل فلسطين، ويرونهم بمختلف التهم، تشويها لسمعتهم وتنفيراً لإخوانهم العرب منهم، وصرفاً لهم عن مناصرتهم. وكانت التهمة الأولى أن أهل فلسطين باعوا أراضيهم وتمتعوا بأثمانها ثم جاءوا اليوم يدعون ويلا وثبورا، فهم أحق باللوم لما فرطوا في أوطانهم.

والحقيقة تخالف ذلك كل المخالفة، فإن الفلسطينيين قد حرصوا على أراضيهم كل الحرص، وحافظوا عليها رغم الإغراءات المالية الخطيرة من قبل اليهود، ورغم الضغط الاقتصادي عليهم بمختلف الوسائل من قبل الإنجليز. ومنذ تأسس المجلس الإسلامي الأعلى الذي انتخبه الفلسطينيون لإدارة المحاكم الشرعية والأوقاف والشؤون الإسلامية في فلسطين عام 1922 قام بأعمال عظيمة لصيانة الأراضي من الغزو اليهودي. فمنع بواسطة المحاكم الشرعية التي كان يشرف عليها بيع أو قسمة أي أرض كان للقاصرين نصيب فيها، وكذلك اشترى المجلس من أموال الأوقاف الإسلامية كثيراً من الأراضي التي كانت عرضة للبيع، وأقرض كثيرين من أصحاب الأراضي المحتاجين قروضاً من صناديق الأيتام ليصرفهم عن البيع. وكان يعقد مؤتمراً سنوياً من العلماء ورجال الدين لتنظيم وسائل المقاومة لليهود الطامعين في الأراضي، وقد تعرضت أنا شخصياً لحملات شديدة من الإنجليز واليهود عندما كنت رئيساً لهذا المجلس بسبب ما كان يقوم به من نشاط في منع بيع الأراضي لليهود.

وقد بذل المجلس الإسلامي الأعلى مبالغ طائلة في سبيل إنقاذ الأراضي، واشترى بعض القرى برمتها، كقرية دير عمرو وقرية زيتا التي بذل في سبيل إنقاذها وحدها نحو 54000 جنيه، وكالأراضي المشاعة في قرى الطيبة وعتيل والطيرة، وبذل جهوداً عظيمة وأقام قضايا في المحاكم في هذه السبيل، ووفق في إقناع كثير من القرى ببيع أراضيها إلى المجلس الإسلامي الأعلى، وجعلها وقفاً على أهلها .

وكذلك قام بعض المؤسسات والمنظمات العربية كصندوق الأمة الذي بذل جهداً كبيراً في سبيل إنقاذ كثير من أراضي البلاد اشترى بعضها بالمال وأنقذ بعضها بإجراءات إدارية وقضائية كأراضي البطيحة لعرقلة البيع وحماية حقوق المزارعين، وبعقد الاجتماعات وتوزيع النشرات .

ومما يزيد ذلك أن تقارير حكومة الانتداب البريطاني التي كانت ترفع سنوياً إلى لجنة الانتداب في عصبة الأمم بجنيف كانت تذكر دائماً أن السبب في قلة انتقال الأراضي إلى اليهود هو المجلس الإسلامي الأعلى وغيره من المؤسسات العربية .

وتدل الإحصاءات الرسمية على أن مساحة أراضي فلسطين هي نحو سبعة وعشرين مليون دونم (والدونم ألف متر مربع) . ويبلغ مجموع ما استولى عليه اليهود إلى يوم انتهاء الانتداب البريطاني في 15 مايو 1948، نحو مليوني دونم أي نحو سبعة في المائة من مجموع أراضي فلسطين، على أن ما تسرب من أيدي عرب فلسطين من هذين المليونين لا يزيد عن 250.000 (مائتين وخمسين ألف دونم) أي الثمن، وكان وقوع الكثير منها في ظروف قاهرة، وبعضها ذهب نتيجة لنزع ملكية الأراضي العربية، وهو ما كانت تقوم به حكومة الانتداب البريطاني لصالح اليهود وفقاً للمادة الثانية من صك الانتداب أما باقي المليونين فقد تسرب إلى أيدي اليهود كما يلي :



650.000 دونم استولى عليها اليهود في عهد الحكومة العثمانية خلال حقبة طويلة، من الأراضي الأميرية بحجة إنعاش الزراعة وإنشاء مدارس زراعية .

300.000 دونم منحتها حكومة الانتداب البريطانية لليهود دون مقابل (وهي من أملاك الدولة)

200.000 دونم منحتها حكومة الانتداب البريطانية لليهود لقاء أجرة اسمية (وهي من أملاك الدولة) .

600.000 دونم اشتراها اليهود من بعض اللبنانيين والسوريين الذين كانوا يملكون أراضي في فلسطين (كمرج ابن عامر ووادي الحوارث، والحولة وغيرها) .

1.750.000

يتبين من ذلك أن نحو سبعة أثمان ما استولى عليه اليهود من الأراضي إنما تسرب إليهم عن غير طريق الفلسطينيين ، وأن ما تسرب من الفلسطينيين هو مائتان وخمسون ألف دونم أي نحو "62" ألف فدان مصري . على أن الكثير ممن باعوا أراضيهم أو كانوا سماسرة للبيع قد فتك فيهم الشعب الفلسطيني، ولم ينج منهم إلا من فر من البلاد ولجأ إلى أقطار أخرى .

أما ما ذكرتم من إصدار العفو عمن كان يدفع مبلغاً من المال، فلا صحة له البتة، ولم يقع أي حادث من هذا القبيل، بل كان الأمر على العكس، فإن مؤتمرات العلماء التي كنا نعقدها سنوياً وكذلك الهيئات الدينية ، كانت تصدر الفتاوى بتكفير من يبيع الأرض أو يسمسر على بيعها، وتعتبره مرتداً لا يدفن في مقابر المسلمين وتجب مقاطعته وعدم التعامل معه، وقد أصدر مؤتمر كهنة الأرثوذكس العرب في فلسطين قرارات مماثلة .



دفاع الفلسطينيين عن بلادهم :

2- وكانت التهمة الثانية أن عرب فلسطين لم يدافعوا عن بلادهم وهي فرية لا ظل لها من الحقيقة، فالناس جميعاً يعلمون كيف كافح أهل فلسطين، اليهود والإنجليز معاً، مدة ثلاثين عاماً لم يقهروا خلالها أبداً ، رغم كثرة القوات البريطانية وقوات الشرطة المحتلة وقوى اليهود المنظمة . وليس يخاف على أحد استبسال المجاهدين الفلسطينيين في الذود عن وطنهم وإقدامهم على التضحية وبيعهم نفوسهم بيع السماح في سبيل الله، حتى شهد لهم بذلك العدو والصديق، ورفعوا بجهادهم اسم العرب عالياً في العالم . فمن ذلك ما ذكره المرحوم محمد رستم حيدر وزير مالية العراق الأسبق لبعض زائريه في لبنان عندما كان راجعاً من أوربا صيف 1939 بقوله : لقد كنا في زياراتنا الماضية لأوربا نتحاشى التظاهر بأننا عرب . ولكننا هذه المرة، بعد جهاد عرب فلسطين وبطولتهم التي طبق ذكرها آفاق أوربا، أصبحنا نفخر بعروبتنا وصرنا نلقى من الأوربيين كل إجلال واحترام .



هتلر يستشهد بجهاد عرب فلسطين :

ومن ذلك ما قاله هتلر للسيد خالد القرقني مستشار المرحوم جلالة الملك عبد العزيز آل سعود في مقابلة رسمية له عام 1938 من أنه معجب كل الإعجاب بكفاح عرب فلسطين وبسالتهم . وكذلك جاء في بيان رسمي وجهه هتلر إلى الألمان في السوديت حينما كانوا يحاولون الخلاص من حكم تشيكوسلوفاكيا عام 1938 والانضمام إلى ألمانيا ما معناه: "اتخذوا يا ألمان السوديت من عرب فلسطين قدوة لكم إنهم يكافحون إنجلترا أكبر إمبراطورية في العالم، واليهودية العالمية معاً، ببسالة خارقة، وليس لهم في الدنيا نصير أو مساعد، أما أنتم فإني أمدكم بالمال والسلاح، وإن ألمانيا كلها من ورائكم" .



ما كتبه الجنرال ولسون عن مجاهدي فلسطين :

وقد جاء في كتاب ألفه الجنرال هنري ميتلاند ولسون الذي اشترك في المعارك ضد عرب فلسطين قبل أن يتولى قيادة القوات البريطانية في مصر ثم في منطقة البحر الأبيض المتوسط. ذكر مستفيض لبطولة عرب فلسطين خلال المعارك الدامية التي جاهدوا فيها القوات البريطانية إذ ذكر ما خلاصته :

"إن خمسمائة من ثوار عرب فلسطين يعتصمون في الجبال ويقومون بحرب العصابات، لا يمكن التغلب عليهم بأقل من فرقة بريطانية كاملة السلاح (أي خمسة عشر ألف جندي) .



الفلسطينيون في غزة يهزمون الإنجليز :

وفي الحرب العالمية الأولى عندما صمد لواء واحد من الجيش العثماني مؤلف من أقل من ثلاثة آلاف جندي فلسطيني في وجه فرقتين بريطانيتين أمام غزة وكبدهما خسائر فادحة وأرغمهما على التقهقر حتى العريش عام 1917م ، أصدر أحمد جمال باشا القائد التركي الذي اشتهر بخصومته للعرب، بياناً رسمياً أشاد فيه بالشجاعة الفذة التي أبداها أولئك الجنود الفلسطينيون في غزة أمام أضعاف أضعافهم من جنود الأعداء، وأنها بسالة خارقة تذكر بالشجاعة التي أبداها آباؤهم من قبل عندما حموا هذه البقاع المقدسة بقيادة صلاح الدين الأيوبي ... وكذلك اعترف كثيرون من أقطاب العرب وزعمائهم بشجاعة الفلسطينيين . ومبلغ ما بذلوه من جهود ودماء، ذوداً عن حياتهم أثناء المعارك الأخيرة التي وقعت عامي 1947 و1948م.

وإني لآسف إذا اضطر للاستشهاد بمثل هذه الأقوال والتصريحات بالثناء على أهل فلسطين في مجال الدفاع عنهم ببيان الحقائق التي حاولت الدعايات الأجنبية ودوائر المخابرات البريطانية واليهودية أن تطمسها بما سخرت لذلك من الصحف المأجورة والألسنة الخراصة لتشويه سمعة الفلسطينيين وإظهارهم على غير حقيقتهم .



براعة الفلسطينيين في حرب العصابات :

ولاشك أن كل منصف يعترف بأن مجاهدي فلسطين لم يغلبوا على أمرهم ولم يقهروا في ميدان الكفاح حينما كانوا يحاربون اليهود والإنجليز معاً حرب العصابات التي خذقوها، والتي هي أجدى وأنجع في مكافحة الجيوش النظامية، وأعظم أثراً، وأقل نفقة . وبحرب العصابات القائمة على أسس التضحية والاستماتة والبسالة استطاع الفلسطينيون أن يفضوا مضاجع أعدائهم أمداً طويلاً، وأن ينزلوا بهم الخسائر الفادحة، واستطاعت حركة الجهاد الفلسطيني في أعوام 36،37،38، 1939م أن تسيطر على معظم الأراضي الفلسطينية بل عليها كلها إذا استثنينا قليلاً من المدن التي انحصر الجنود الإنجليز داخلها وقتاً غير قليل في انتظار النجدات .



الإنجليز يسلحون اليهود ويدربونهم :

وفي الحوادث الأخيرة ظن الإنجليز الذين جردوا أهل فلسطين خلال الحرب العالمية الثانية من أسلحتهم ، وشردوا قادتهم وسجنوا الألوف من مجاهديهم وأرهقوهم ظلماً وعدواناً كما يفعلون اليوم في المكافحين من رجال ماو ماو في الوقت الذي كانوا يسلحون فيه اليهود ويدربونهم وينظمونهم ويساعدونهم بواسطة هيئة عسكرية إنجليزية كان يرأسها القائد (وينجت) المعروف – ظن الإنجليز أن كفة اليهود الحربية أصبحت راجحة ، وأن في استطاعتهم أن يتسلموا فلسطين حسب وعد بريطانيا القديم لهم ، فأعلنت بريطانيا أنها ستنسحب من فلسطين. ولكن أهل فلسطين رغم ضعف وسائلهم عامي 1947- 1948م قاموا بكفاح شديد أرغموا به يهود القدس، وعددهم نحو (115) ألفاً، على رفع رايات التسليم، بعد أن أرهقوهم وحاصروهم وقطعوا عنهم الماء والزاد والعتاد . وقد توسطت الهيئة الدبلوماسية في القدس حينئذ وجاءت بعثة من بعض أعضائها إلى دمشق في مارس سنة 1948م لمفاوضة الجامعة العربية والهيئة العربية العليا في هذا الأمر .



تفوق العرب في المعارك على اليهود :

وفي غضون ذلك كانت المعارك الكبيرة ناشبة بين العرب واليهود ففي مكان يعرف بالدهيشة، بين القدس والخليل، نشبت معركة كبيرة في 17 مارس سنة 1948 قتل فيها بضع مئات من اليهود ووقع منهم (350) أسيراً ، وغنم المجاهدون أسلحتهم وذخائرهم ونحو مائة وخمسين سيارة كان قسم كبير منها من المصفحات والمدرعات . ووقعت معارك صور يف وبيت سوريك وسلة ويافا ومعارك أخرى في المنطقة الشمالية قهرت فيها العصابات الفلسطينية اليهود وهزمتهم .

ولما شرع اليهود في استعمال المتفجرات وعمدوا إلى النسف، قابلهم المجاهدون بما هو أدهى وأمر، فنسفوا عمارة الستين بوست والوكالة اليهودية وشارع بن يهودا برمته ومحلة المنتفيوري وغيرها مما قصم ظهر اليهود، وجعلهم يطالبون بالعدول عن حرب المتفجرات .

وقد أبدى المجاهدون الفلسطينيون من البسالة والتصميم والتضحية ما ضمن لهم التفوق ورجوح الكفة على اليهود، حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت بواسطة مندوبها في الأمم المتحدة في 23 مارس 1948م عدولها عن تأييد قرار تقسيم فلسطين، (وقد وقعت جميع هذه الحوادث قبل أن تدخل الجيوش العربية فلسطين) .

12 ألف شهيد فلسطيني :

وقد بلغ عدد الذين استشهدوا م أهل فلسطين في ميادين الجهاد نحو 12 ألف شهيد، وبلغ عدد من أصيب منهم بجراحات وعاهات دائمة ضعف هذا العدد، وهذا بالإضافة إلى ألوف من السكان المدنيين ولاسيما من الشيوخ والنساء والأطفال الذين قتلهم اليهود والمستعمرون، كما أن خسائرهم المادية إلى ما قبل نشوب الحرب العالمية الثانية تقدر بعشرات الملايين من الجنيهات، فإن السلطات البريطانية نسفت أقساماً برمتها من مدن يافا واللد وجنين وعشرات من القرى العربية وأتلفت من روعات أهلها ومواشيهم وممتلكاتهم .





المؤامرة الإنجليزية لإبعاد الفلسطينيين عن ميدان القتال :

ولما رأي الإنجليز واليهود هذا الجد والتصميم والاستماتة من عرب فلسطين، وأن حرب العصابات تزداد توسعاً واندلاعاً، وأن أمدها سيطول، وستكون لها نتائج خطيرة في إثارة الشرق العربي والعالم الإسلامي، لجأوا إلى الحيلة لوقف حرب العصابات وإبعاد المجاهدين الفلسطينيين عن ميدان المعركة، لأنهم بطبيعة الحال أشد العناصر العربية تصميماً على القتال، واستماتة في الذود عن وطنهم وأنفسهم وممتلكاتهم، فعمد الإنجليز إلى تعديل خطة الدول العربية التي كانت قررت في اجتماع "عالية – لبنان" في السابع من أكتوبر عام 1948م أن يكون المعول في حرب فلسطين على أبنائها ، وأن تمدهم الدول العربية بالأسلحة والأموال وما إلى ذلك من وسائل المساعدة، وأن لا تدخل الجيوش العربية النظامية فلسطين. ولكني عندما شعرت في ذلك الحين برغبة بعض الشخصيات العربية الرسمية في إدخال الجيوش العربية فلسطين، وباندفاعها في هذه السبيل، أوجست في نفسي خيفة وأبديت ارتيابي وخشيتي من أن تكون وراء ذلك دسيسة أجنبية وعارضت في هذا معارضة شديدة ، ولم تكن جميع الدول العربية موافقة على إدخال جيوشها إلى فلسطين ولكن تيار الضغط الأجنبي على بعض الشخصيات المسئولة في الدول العربية في ذلك الحين كان بدرجة من الشدة اجتاح معها كل معارضة ، ودخلت الجيوش العربية وكانت مصر من أشد الدول معارضة لدخول جيشها في الحرب. ثم دخلت بتأثير دوافع متعددة كما ظهر في المحاكمات الأخيرة أمام محكمة الثورة، فقد قيل في صدد دخول الجيش المصري حرب فلسطين : "إن المرحوم النقراشي أسر إلى أحد كبار المصريين وقتئذ – أيهدى" من روعه ومعارضته – أن الإنجليز متحمسون لدخولنا الحرب، وأنهم وعدوه بمد الجيش المصري بالأسلحة والذخيرة التي يحتاج إليها..."



الجيوش العربية تحت قيادة جنرال إنجليزي :

فلما دخلت الجيوش العربية فلسطين سلمت قيادتها العملية إلى الجنرال جلوب الإنجليزي، وصدر أمر الملك عبد الله بإلغاء منظمة الجهاد المقدس الفلسطينية وجميع القوى والعصابات التابعة لها، وإلغاء جيش الإنقاذ المؤلف من المتطوعين وطلب إلغاء الهيئة العربية العليا لفلسطين، ووضعت خطة محكمة لإبعاد الفلسطينيين عن ميدان الجهاد والسياسة، وعن كل ما يتعلق ببلادهم ومستقبلهم وحياتهم .



دعايات مضللة وتهم باطلة تذاع عن فلسطين :

3- ولتبرير إبعاد الفلسطينيين عن ميدان المعركة قامت دوائر المخابرات البريطانية واليهودية، وغيرها من الدوائر الموالية لها، بدعايات واسعة مضللة وإشاعات مبطلة عن الفلسطينيين تكيل لهم فيها جزافاً أفظع التهم كتجسسهم على الجيوش العربية وبيعهم جنودها وضباطها لليهود، ونحو ذلك من الأكاذيب التي لا ظل لها من الحقيقة، ولا يعقل أبداً أن يرتكبها الفلسطينيون الذين هم أعظم الناس مصيبة باليهود والاستعمار، وأشدهم حتقاً عليهما. واستغل الخصوم بعض حوادث التجسس التي كان يقوم بها أفراد من اليهود فشأوا في البلاد العربية وحذقوا لغتها وعاداتها، وقد بثتهم دوائر الاستخبارات اليهودية في كل الجهات وهم يرتدون الثياب العربية حتى ظن أنهم من عرب فلسطين . وأذكر مثلاً لذلك حادثتين معروفتين في منطقة غزة الأولى أن القوات المصرية المسلحة قبضت على أثنين من اليهود يرتديان ثياب البدو بينما كانا يقومان بإلقاء ميكروبات الكوليرا وغيرها من الجراثيم الوبائية في آبار تلك المنطقة بقصد إبادة سكانها والقوات المصرية الموجودة فيها، والثانية قصة طريفة قصها على كل من الأمير الاي السيد مصطفى الصواف نائب الحاكم الإداري العام لقطاع غزة سابقاً ، والسيد عبد الرحمن الفرّا رئيس بلدية خان يونس، وخلاصتها أن دورية مصرية قبضت على رجل يرتدي ثياب بدو فلسطين بينما كان خارجاً من مستعمرة "كفار داروم، ومتجهاً إلى "خان يونس" وعند سؤاله زعم أنه ينتمي إلى عشيرة عربية مجاورة فلما سئل شيوخ العشيرة عنه أنكروه. ولما ضيق المحققون عليه الخناق اعترف أنه جاسوس يهودي، وأنه يتجه إلى خان يونس ليقابل فيها زميلاً له، فلما رافقوه ليدلهم على زميله كانت دهشتهم بالغة عندما دلهم على شيخ معمم مقيم بجامع البلد ويلبس الملابس الفلسطينية وكان هذا الشيخ يتظاهر بالورع ويصلي في الصف الأول، ويقيم في الجامع ، وفي نهاية التحقيق الرسمي اعترف هذا الشيخ المعمم بأنه يهودي ديناً وجنسية، وأنه يقوم بالتجسس على حركات الجيش المصري، وأنه تظاهر بأنه مسلم فيما مضى ، وانخرط في الجامع الأزهر في سلك الطلاب أمداً غير قصير درس خلاله الدين الإسلامي واللغة العربية ..

ولقد وقع كثير من أمثال هذه الحادثة كان يقوم بها يهود يتزينون بزي العرب الفلسطينيين ولا يتسع المجال لسردها الآن، مما ساعد على ترويج تلك التهم الشنيعة والإشاعات الكاذبة المضللة عن أهل فلسطين وهم منها براء. على أن أهل فلسطين كغيرهم من الشعوب منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، ولا يبعد أن يكون بينهم أفراد قصروا أو فرطوا أو اقترفوا الخيانة، ولكن وجود أفراد قلائل من أمثال هؤلاء بين شعب كريم مجاهد كالشعب الفلسطيني لا يدمغ هذا الشعب، ولا ينقص من كرامته، ولا يمحو صفحة جهاده العظيم .




كارثة فلسطين

وليدة مؤامرة الاستعمار الأجنبي واليهودية العالمية

وليست ناشئة عن خصومات حزبية وخلافات عائلية

الحلول التي عرضتها بريطانيا كانت سلسلة من المخادعات

السؤال الثاني:

يتحدث بعض الناس عن خصومات حزبية واختلافات محلية وقعت في فلسطين ، ويقولون : إنه لو لا معارضتكم وإخوانكم للحلول التي عرضتها بريطانيا لحل قضية فلسطين لما وصلت الحال إلى ما وصلت إليه .

الجواب :

إن أكثر الناس لم يعرفوا قضية فلسطين على حقيقتها ، ومن كافة نواحيها، لأنهم لم يتعمقوا في بحثها، ولم يسيروا غورها، ولم يدرسوا ظروفها وملابساتها، شأنهم في ذلك شأن الطبيب الذي يحاول معالجة المريض دون أن يفحصه فحصاً دقيقاً، ودون أن يعرف تاريخ مرضه وتطوراته، فتكون معالجته مرتجلة لا تشفي سقماً ولا تضمن برءاً .

ومنهم من يقيس هذه القضية بغيرها من القضايا العربية والشرقية وهذا قياس مع الفارق، لأن خطة الخصوم في قضية فلسطين ليست قاصرة على الاستعمار فحسب، بل إن هناك عوامل أخرى خطيرة دينية وقومية واستراتيجية، هدفها استبدال أمة بأمة أخرى وتقويض كيان هذه الأمة تقويضاً كاملاً، بالقضاء على قوميتها ودينها وتاريخها، والتعقبية على آثارها لتحل محلها تلك الأمة الأخرى .



مؤامرة مبيتة بين الاستعمار واليهودية العالمية :

وبعبارة أصرح إنها مؤامرة مبيتة – منذ عهد بعيد – بين اليهود والاستعمار (كما صرح بذلك حاييم وايزمن زعيم الصهيونية في مذكراته) ترمي إلى إجلاء العرب، أهل البلاد الأصليين، عن وطنهم، وإحلال اليهود المشردين في سائر أنحاء الأرض محلهم، والقضاء المبرم على عروبة هذه البلاد ودينها ومقدساتها ومعابدها واستئصال شأفة أهلها، لجعلها مركزاً دينياً وسياسياً وعسكرياً ليهود العالم قاطبة، ولإعادة بناء الهيكل اليهودي المعروف بهيكل سليمان مكان المسجد الأقصى المبارك، وليكون هذا المركز اليهودي العالمي رأس جسر، أو محطة، للوثوب على العالم العربي، كما صرح بذلك دافيد بن غوريون رئيس الوزراء السابق لدولتهم اليهودية .

وقد وضعت الخطة الخطيرة لهذه المؤامرة المبيتة بين إنجلترا واليهود، قبل الحرب العالمية الأولى، ثم انضمت إليها بعض الدول الاستعمارية الكبرى، وصمم المتآمرون على تنفيذ مؤامرتهم دون أن يقيموا وزناً لأي اعتبار من الاعتبارات الإنسانية، أو القيم الأخلاقية أو الحقوق الدولية . وهذه الخطة الغاشمة لم يسجل لها التاريخ نظيراً من قبل، وهي سابقة خطيرة في الاستعمار، يجري تنفيذها للمرة الأولى على هذه الصورة الفظيعة، فإذا نجحت في فلسطين فإنهم سينفذونها في غيرها من الأقطار العربية المجاورة الداخلة في خريطة المطامع اليهودية والاستعمارية .



يريدون فلسطين يهودية كما أن إنجلترا إنجليزية :

فمنذ نحو نصف قرن، زعم إسرائيل زانجويل أحد كبار زعماء اليهود : أن "فلسطين وطن بلا سكان، فيجب أن يعطي لشعب بلا وطن" (أي اليهود) . وقال : إن واجب اليهود في المستقبل أن يضيقوا الخناق على عرب فلسطين حتى يضطروهم إلى الخروج منها .

وعلى أثر فرض الانتداب البريطاني على فلسطين، أعلن زعماء الصهيونية من يهود العالم مثل سوكولوف، ووايزمن، وجابوتنسكي وإيدر، وكيش، وروتنبرغ وغيرهم – أنهم يريدون أن تصبح فلسطين بأجمعها لليهود و"أن تكون فلسطين يهودية كما أن إنجلترا إنجليزية" . وقد كان البريطانيون على تفاهم تام مع اليهود على هذا، وقد أرسلوا في ظروف متعددة إلى فلسطين رسلاً من أنصارهم عرضوا على عرب فلسطين الرحيل عن وطنهم مقابل مبالغ من الأموال يدفعها إليهم اليهود! .

وفي عام 1934 اتصل رسل من البريطانيين بي شخصياً وبآخرين من الوطنيين الفلسطينيين وعرضوا أن ينقل عرب فلسطين إلى شرق الأردن على أن يعطوا ضعف مساحة الأراضي التي كانوا يملكونها، وأن يقدم اليهود جميع الأموال المطلوبة لتنفيذ ذلك الاقتراح، وكان طبيعياً أن يرفض العرب هذا العرض السخيف .

وما انفك زعماء اليهود يعملون متعاونين مع البريطانيين على إيجاد الظروف الملائمة لإجلاء عرب فلسطين عن بلادهم وتسليمها لليهود، وفي مذكرات الدكتور حايم وايزمن المطبوعة منذ ثلاث سنوات ما يفيد أنه اتفق مع الحكومة البريطانية على تسليم فلسطين لليهود خالية من سكانها العرب !



قرار مؤتمر العمال البريطاني يجعل فلسطين دولة يهودية :

وفي شهر مارس 1943م خطب الزعيم اليهودي بن غوريون في تل أبيب قائلاً : "إن الصهيونية قد انتهت من وضع خطتها النهائية وهي أن تصبح فلسطين دولة يهودية، وإن اليهود لا يستغنون عن أي قسم من فلسطين، حتى قمم الجبال وأعماق البحار".

وفي ديسمبر 1944 عقدت اللجنة التنفيذية العامة لحزب العمال البريطاني مؤتمراً كان من أعظم المؤتمرات وأخطرها في تاريخ هذا الحزب، وبعد بحث قضية فلسطين اتخذ المؤتمر قراراً بالإجماع "بتحويل فلسطين إلى دولة يهودية، وإخراج سكانها العرب منها إلى الأقطار المجاورة، وقد اشترك ممثلو الحزب في الحكومة الائتلافية القائمة بالحكم حينذاك (مثل إتلي وبيقن ودالتون وموريسوان وبيقان وجونز) في مؤتمر الحزب ووافقوا على قراره بشأن فلسطين كما اشترك في المؤتمر هارولد لاسكي أحد كبار رجال العمال، وهو يهودي، وكان له أثر كبير في توجيه المؤتمر . ولم تعترض الحكومة البريطانية على ذلك القرار، وهو ما يؤكد اتفاق جميع الأحزاب البريطانية على ذلك المبدأ الأثيم . ورحبت الصحافتان البريطانية والأمريكية بقرار المؤتمر واعتبرتاه خير حل لقضية فلسطين ! .



مطامع اليهود في البلاد العربية :

هذا ولم تعد المطامع اليهودية الخطيرة في البلاد العربية المجاورة لفلسطين خافية، فإن زعماء اليهود المسؤولين جاهروا ويجاهرون بأن فلسطين لا تكفيهم، وأنها ليست إلا "مركز وثوب" لتحقيق أهداف الصهيونية كلها، وهي الاستيلاء على بقية فلسطين والأردن وسورية ولبنان والعراق، وسيناء والدلتا من الأراضي المصرية، ومناطق خيبر وبني قريظة وبني النضير وغيرها من الأراضي الحجازية المجاورة للمدينة المنورة بما فيها قسم كبير من المدينة المنورة نفسها! بحجة أنها كانت مواطنهم في القرون الماضية، وقدموا طلباً باستعمارها إلى الملك عبد العزيز آل سعود مقابل عشرين مليون جنيه ذهباً، بواسطة الرئيس روزفلت عندما قابله في فندق الفيوم القائم على بحيرة قارون بمصر عام 1945 وبوسائط أخرى أيضاً، ولكن الملك عبد العزيز – رحمه الله – رفض ذلك بكل شدة وإباء ولا يحاول اليهود إخفاء مطامعهم بل يتحدون الأمة العربية كلها بوقاحة واستخفاف، فهم ينقشون على واجهة مجلس نوابهم العبارة الآتية: "من النيل إلى الفرات" . ولا يتسع المجال الآن لتفصيل المطامع اليهودية الخطيرة في الأراضي المصرية ولا سيما في سيناء التي يعتبرونها مقدسة كفلسطين، وفي الدلتا والبحر الأحمر، وسائر البلاد العربية فإن ذلك يحتاج إلى رسالة خاصة.

ذكرت لكم مطامع اليهود في صدد الإجابة على سؤالكم للتدليل على أن قضية الصهيونية ليست قضية عادية، بل هي قضية من الخطورة بمكان عظيم جداً، ولا ينحصر شرها بفلسطين بل يعم سائر البلاد العربية، ولا يقتصر ضررها على ناحية الاحتلال والاستيلاء فحسب، بل يتجاوزها إلى تهديد الكيان العربي في الشرق الأوسط بأجمعه، في استقلاله وسيادته، وفي مقدساته ومعتقداته وفي سائر مقومات حياته . فهذه المعركة الناشبة بيننا وبين اليهودية العالمية التي يعضدها الاستعمار بكل قواه، هي معركة فاصلة وخطيرة جداً، وعلينا أن نوقن بأنها معركة حياة أو موت، معركة بين عقيدتين متناقضتين لا تستطيع إحداهما أن تعيش إلا على أنقاض الأخرى، وأن خصومنا جادون مصممون على تقويض كياننا وتدمير بنياننا، وطي صفحة تاريخنا، غير آبهين لحق أو عدل أو رحمة، فكيف نجابههم هازلين مترددين خائرين ؟

على ضوء هذه الحقيقة الواضحة، الأليمة المريرة يجب علينا أن نعالج قضية فلسطين .

وسنرى بعد قليل هل كان صواباً أن تعالج هذه القضية الخطيرة بالحلول الواهية الخادعة التي عرضها الإنجليز على عرب فلسطين فرفضوها بعد درس وتمحيص ولم يكن رفضهم لها اعتباطاً أو تعنتاً! .



الحزبية والخلافات المحلية :

فأما من ناحية الخلافات الحزبية فالواقع أنه لم يكن في فلسطين اختلافات حزبية أو طبقية أو طائفية، بالمعنى المعروف في مختلف الأقطار: فلم يكن لدى الشعب الفلسطيني ما يختلف عليه رجاله وجماعاته، فلا حكومة ولا مجلس نواب ولا سلطة من السلطات الرسمية ولا مراكز حامية ووظائف ممتازة ... فقد كان عرب فلسطين محرومين من كل ذلك .

أما الخلاف الذي وقع في بعض الأحيان فقد كان مصدره المستعمرون الذين دفعوا بعض أتباعهم إلى مناوأة الحركة الوطنية وفقاً لمصلحة الاستعمار والصهيونية .



الميثاق القومي لفلسطين :

لقد قامت الحركة الوطنية على أساس ميثاق قومي وضعه عرب فلسطين اشتمل على "استقلال فلسطين ضمن الوحدة العربية، ورفض الانتداب البريطاني والوطن القومي اليهودي، . وقد سار الوطنيون على هذه المبادئ منذ قيام الحركة الوطنية حتى هذه الساعة، ولم يكن الوطنيون المخلصون ليختلفوا على تلك الأسس والأهداف الوطنية . والذي وقع في فلسطين لم يكن اختلافات حزبية أو محلية، بل كان في الحقيقة اختلافا بين الوطنيين وبين خصوم الحركة الوطنية من المستعمرين والصهيونيين وأتباعهم.

وقد امتحنت الأقطار العربية التي كانت تقاوم الاستعمار والاحتلال بمثل ما امتحن به عرب فلسطين على أيدي المستعمرين وإن إخواننا المصريين والسوريين والعراقيين واللبنانيين يعرفون كيف أوجد الاستعمار فيما بينهم فئات وجماعات وأحزاباً لمقاومة الحركات الوطنية.

بل لعل الفلسطينيين ابتلوا بما لم يصب بمثله إخوانهم العرب من دسائس الاستعمار لتلم الصفوف وصدع الوحدة . فقد بلغ من أمر المستعمرين أن بذلوا جهوداً جبارة لإثارة روح الطائفية والخلاف الديني بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين، لدرجة أن بعض رجال الاستخبارات من المستعمرين أخرجوا من السجون بعض المجرمين وألفوا منهم عصابات زودوها بالسلاح، وخصصوا لها المرتبات والنفقات، وأطلقوها للاعتداء على القرى المسيحية، واغتيال المسيحيين، إثارة لروح الفتنة وللإيقاع بين أبناء الوطن والواحد . ولكن المجاهدين كانوا للخونة بالمرصاد، فقبضوا عليه وعاقبوهم على جرائمهم .



الدعاية ضد الوطنيين :

ولم يكتف المستعمرين واليهود وأتباعهم بما تقدم ذكره من الأعمال، بل قاموا أيضاً ببث دعاية واسعة النطاق ضد رجال الحركة الوطنية، محاولين تشكيك الناس في إخلاصهم وحملهم على الانفضاض من حولهم، وتحميلهم مسئولية ما كان عرب فلسطين يشكونه من ظلم السلطات وبطشها وحرمانها لهم من كافة الحقوق السياسية والمدنية وغيرها . ولما اتسع نطاق الحركة الوطنية الفلسطينية ، وكان لها صدى بعيد في سائر الأقطار العربية، ضاعف الخصوم دعايتهم وعملوا على تعميمها في سائر الأقطار العربية، للدس على الفلسطينيين وتشويه سمعة المخلصين العاملين من رجالهم، وركز المستعمرون والصهيونيون وأعوانهم دعايتهم المضللة على الادعاء الباطل بأن الفلسطينيين وزعماءهم اتبعوا سياسة سلبية ورفضوا جميع ما تقدم به الإنجليز من عروض وحلول لقضية فلسطين (ومنها التقسيم) خلال عهد الانتداب، وأمعنوا في التضليل والمخادعة فقالوا : أنه لو قبل المفتي والزعماء الفلسطينيون بتلك الحلول والعروض، لما وصلت الحال إلى ما وصلت إليه، ولما وقعت نكبة فلسطين .. ومن المؤسف أن تلك الدعاية الباطلة وجدت صدى لها عند بعض العرب، بل بعض الفلسطينيين أنفسهم، فجعلوا يرددون تلك الدعاية ويعتقدون صحتها، وكان عدم معرفة هؤلاء – بتاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية وعدم اطلاعهم على تلك العروض والحلول البريطانية، من العوامل التي جعلتهم يصدقون تلك الأضاليل بحسن نية .



المؤامرة الإنجليزية اليهودية قديمة :

وقبل أن أتحدث عن موضوع (العروض والحلول)، أود أن أنبه مرة أخرى إلى أن ما تم في فلسطين منذ احتلال الإنجليز لها في عامي 1917/1918، حتى يومنا هذا كان نتيجة لخطة إنجليزية صهيونية اتفق عليها المستعمرون والصهيونيون، خلال الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) وقبلها، وعمد الفريقان، ومن ورائهما فيما بعد الأمريكيون، إلى تنفيذها خطة خطوة، وحلقة حلقة، فكل ما كان يدعيه الإنجليز من تقديم عروض وحلول، وما قاموا به من إرسال لجان التحقيق التي أتخمت بها فلسطين، إنما هو خداع ونفاق، وتخدير للأعصاب، وصرف للأنظار عن حقيقة المؤامرة الاستعمارية اليهودية المبيتة ضد فلسطين، التي كانوا مصممين على تنفيذها عن طريق سياسة الوطن القومي اليهودي والانتداب البريطاني الذي فرض على عرب فلسطين فرضاً، ذلك الانتداب الذي نصت المادة الثانية من صكه على أن مهمة الحكومة المنتدبة (أي بريطانيا) في فلسطين هي وضع البلاد في حالات سياسية وإدارية واقتصادية من شأنها أن تسهل إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين، ثم صار هذا الصك وثيقة دولية على بريطانيا واجبة التنفيذ، بعد ما أقرته عصبة الأمم السابقة، والولايات المتحدة الأمريكية .





الانتداب وصك الانتداب من وضع اليهود :

قررت عصبة الأمم في 24 يوليو 1922 وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وأقرت له صكاً، يفرض على الحكومة البريطانية تنفيذ سياسة إنشاء الوطن القومي اليهودي، وقد أشرنا إليه سابقاً .

وفي شهر مايو 1930، اجتمع الوفد الفلسطيني في لندن (وكنت مشتركاً فيه) بالمستر رامزي ما كدونالد رئيس الوزارة البريطانية حينئذ فناقشته في موضوع الانتداب وصكه وتحيزه لليهود ولا سيما المادة الثانية منه ، فأجاب ما كدونالد بأن عصبة الأمم هي التي وضعت صك الانتداب.

وفي شهر يونيو 1930 سافرت إلى جنيف وقابلت في مقر عصبة الأمم سكرتيرها العام (السير أريك دراموند) ، وهو بريطاني، فبحثت معه الموضوع بحضور المرحوم الأمير شكيب أرسلان والسيد احسان الجابري، وذكرت له ما تقوله الحكومة البريطانية من أن صك الانتداب الجائر وضعته عصبة الأمم ! فقال : إن العصبة لم تضع مشروع صك الانتداب، بل أن الحكومة البريطانية هي التي وضعته بالتفاهم مع اليهود !

وقد تبين أخيراً أن الحكومة البريطانية وضعت صك الانتداب بالاتفاق مع الجمعية الصهيونية وزعماء اليهود . ويقول الدكتور وايزمان في مذكراته : إن اليهودي الأمريكي بنجامين كوهين كان يتولى مع سكرتير اللورد كيرزون (وزير الخارجية البريطانية حينئذ) وضع صك الانتداب والاتفاق على نصوصه !



الثورة الفلسطينية الأولى :

ولما تسلم الإنجليز حكم فلسطين فور احتلالهم لها، كانت باكورة أعمالهم فيها فتح أبوابها للهجرة اليهودية، والسماح لليهود بتملك الأراضي، ومساعدتهم على ذلك، وأدركوا أن العرب غير راضين بالانتداب وتصريح بلفور، وأنهم مصممون على مقاومتهما مهما كلفهم الأمر .

وكانت الثورة الأولى الفلسطينية التي وقعت في 4 أبريل 1920 أكبر نذير للإنجليز بمقاومة عرب فلسطين. ولذلك جعل الإنجليز أكبر همهم حمل الفلسطينيين على الاعتراف بالانتداب وتصريح بلفور، وإكراههم على العدول عن المطالبة بإنشاء حكومة وطنية مستقلة .

وقد لجأت الحكومة البريطانية – لأجل تخدير العرب، وانتزاع موافقتهم على الانتداب ولتصريح بلفور – إلى عدة أساليب استعمارية خادعة نبينها فيما يلي :



العروض والحلول أسطورة وخداع :

أولاً – أصدرت الحكومة البريطانية في 22 يونيو 1932 كتاباً أبيض اشتمل على (دستور) لفلسطين، وعلى السياسة العامة التي تعتزم الحكومة البريطانية اتباعها، وقد بنتها على أساس الانتداب وتصريح بلفور .

ونص ذلك الكتاب على تشكيل مجلس تشريعي لفلسطين من 22 عضواً، منهم 10 من الموظفين الإنجليز يعينهم المندوب السامي، و8 من المسلمين و2 من المسيحيين و2 من اليهود ينتخبهم الأهلون على أن يكون المندوب السامي رئيس للمجلس، وله حق النقض (الفيتو) وأن لا يكون للمجلس الحق في التعرض لمبدأ الانتداب أو الوطن القومي اليهودي والهجرة اليهودية إلى فلسطين أو شؤون فلسطين المالية !

واجتمع المؤتمر الفلسطيني الخامس في أغسطس 1922 في نابلس واشترك فيه ممثلو الشعب الفلسطيني، وبعد بحث دقيق للأوضاع السياسية ودراسة عميقة للكتاب الأبيض، قرر المؤتمر بالإجماع عدم التعاون مع الحكومة البريطانية، على أساس الكتاب الأبيض المذكور والدستور الجديد، ورفض مشروع المجلس التشريعي .



وكان من الأسباب الرئيسية التي حملت المؤتمر على اتخاذ ذلك القرار ما يلي :

أ- أن عرب فلسطين كانوا يطالبون باستقلال بلادهم كسائر الأقطار العربية، لأن الاستقلال حق لكل شعب، وقد اعترفت بذلك الحق مبادئ الرئيس ولسون والمادة 22 من ميثاق عصبة الأمم، والعهود المعروفة التي قطعها الإنجليز والحلفاء سنة 1916 للبلاد العربية، ومنها فلسطين، بالاستقلال الكامل وليس في المشروع المعروض شيء من الاستقلال .

ب- أن الدستور ومشروع المجلس بنيا على أساس الانتداب وتصريح بلفور، فقبولهما يعني القبول بالانتداب وإنشاء الوطن اليهودي والاعتراف بهما .

ج- ليس للمجلس التشريعي سلطات واسعة، ولا يجوز له بحث مسألة الهجرة اليهودية والانتداب .

د- أن ذلك المجلس لا يمثل البلاد تمثيلاً صحيحاً، حيث يعطي العرب (وكانوا يؤلفون 91% من مجموع السكان) عشرة أعضاء من أثنين وعشرين، بينما يعطي الإنجليز وحدهم 10 عدا الأعضاء اليهود .

هـ- أن المشروع أعطى المندوب السامي البريطاني حق (الفيتو) على جميع مقرراته .

وعلى الرغم من قرار العرب الاجماعي دعت حكومة الانتداب إلى إجراء انتخابات للمجلس في فبراير سنة 1923 فقاطعها العرب مقاطعة تامة .

ثانياً : ثم قدمت الحكومة البريطانية (عرضاً) آخر، في مارس 1923 وهو تعيين مجلس استشاري من 10 أعضاء بريطانيين و8 من المسلمين و2 من المسيحيين و2 من اليهود .

ورفض العرب هذا المشروع الهزيل الجديد، ورفض الأعضاء المسلمون والمسيحيون الذين عينتهم الحكومة البريطانية قبول ذلك التعيين .

ثالثاً : وفي 13 أكتوبر 1923 عرض المندوب السامي السير هربرت صمويل على العرب تأليف وكالة عربية فرفض العرب هذا العرض أيضاً لأن قبوله ينطوي على اعترافهم بالانتداب وتصريح بلفور، ولأنها ليس لها من السلطة ما يحقق مطالب العرب الاستقلالية .

هذه هي (العروض) أو الحلول التي عرضها الإنجليز على عرب فلسطين ورفضوها .

أما وقد بينا حقيقة تلك العروض، فهل كان يجوز لأي عربي أن يقبل بها ويرضى بالتعاون على أساسها؟

وفي دورتين لعصبة الأمم (1924 – 1925) نوقشت الحكومة البريطانية بشأن عدم تأسيس مجلس تشريعي في فلسطين، فأجاب بمثلها بصراحة وجلا – بأنه "لا يمكن إنشاء مجلس تشريعي في فلسطين يكون العرب فيه ممثلين حسب عددهم، لأن ذلك يحول بين الحكومة المنتدبة وتنفيذ الواجبات المتعلقة بإنشاء الوطن القومي اليهودي .

ومما هو جدير بالذكر أن الذي وضع ذلك الكتاب الأبيض لعام 1922 والسياسة التي انطوى عليها ومشاريع المجلس التشريعي والمجلس الاستشاري والوكالة العربية كان ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطانية حينئذ . وتشرشل هذا يعرفه العالم العربي حق المعرفة، وقد أعلن مراراً أنه يعتبر نفسه صهيونية أصيلاً ، وأنه يصلي بحرارة لأجل تحقيق أماني الصهيونية العظيمة .

وقد ساعده في خططه المندوب السامي البريطاني على فلسطين، السير هربرت صمويل ، وهو يهودي . وفي الوقت نفسه كان يشغل وظيفة السكرتير القضائي في حكومة الانتداب (وفي بدء سلطة التشريع وسن القوانين) يهودي آخر هو المستر نورمان بنتويش .

وهكذا كان ذلك الكتاب الأبيض، ومشاريع المجلس التشريعي والمجلس الاستشاري، من أخبث ما أنتجه الاستعمار والصهيونية ، فقد أصدره مثلث صهيوني رأسه تشرشل وقاعدته هربرت صمويل ونورمان بنتويش .

وقد ذكر الدكتور وايزمان في مذكراته ما نصه :

"إن هربرت صوئيل، المندوب السامي (اليهودي) البريطاني على فلسطين، هو الذي وضع مشروع الكتاب الأبيض لعام 1922، وأن الحكومة البريطانية عرضته على اللجنة الصهيونية قبل إصداره للاطلاع عليه وإبداء وجهات النظر التي يراها اليهود، وقد وافق عليه زعماء اليهود .






تقسيم الوطن لا تقبله أمة حية شريفة

الإيجابية السمحة التي سار عليها بعض الدول العربية

لم ترد الإنجليز إلا عناداً، واليهود إلا صلفاً وعتوا

السؤال الثالث:

يقول بعض الناس : إن رفض التقسيم ، والكتاب الأبيض، والتزام السلبية، من الأسباب التي أوصلت فلسطين إلى حالتها الحاضرة، فما تقولون في ذلك ؟

الجواب :

إن لنا أن نتساءل، ونحن في صدد بحث مشروعات الحلول المعروضة لقضية فلسطين : أن لو قبل بها العرب، على قلة جدواها ومخالفتها للميثاق القومي والمبادئ الوطنية السامية، فهل هناك ما يضمن أن الإنجليز سينفذونها ويعملون بها، بعد أن يكونوا قد انتزعوا من العرب اعترافاً بالانتداب والوطن القومي اليهودي؟

إن لدينا أدلة كثيرة أيدتها تجارب مريرة على أن السياسة البريطانية تفتقر دائماً إلى حسن النية، وعلى أن بريطانيا مصممة كل التصميم على تنفيذ مؤامرتها المبيتة مع اليهود في فلسطين .



لجان التحقيق البريطانية :

فقد شكلت الحكومة البريطانية في كثير من المناسبات، نيفاً وعشرين لجنة من "لجان التحقيق البريطانية" لدرس مشكلة فلسطين وتقديم التواصي لمعالجتها على أساس بحث شكاوي الأهلين وتجنب قيام اضطرابات جديدة وكان من أهم تلك اللجان لجنة السر ولترشو البرلمانية، ولجنة السر جون هوب سمبسون، ولجنة لويس فرنش.

وقد اعترفت جميع تلك اللجان بصحة شكاوي العرب وحرمانهم من حقوقهم، وأوصت الحكومة البريطانية باتخاذ بعض الوسائل لمعالجة شكاياتهم، ولكن هذه الحكومة لم تنفذ أية توصية من التواصي التي جاءت في صالح العرب. وهكذا استبان العرب أن القصد من تشكيل تلك اللجان إنما كان المراوغة والتخدير .



الكتاب الأبيض لعام 1930م :

وعلى أثر اندلاع ثورة 1929 ووضوح ظلامة عرب فلسطين للعالم أجمع، وصدور تقرير (لجنة شو) ، أصدرت الحكومة البريطانية في أكتوبر 1930 كتاباً أبيض عرف باسم "كتاب اسفيلد، وهو وزير المستعمرات حينئذ، وكان هذا الكتاب قائماً على أساس تقرير لجنة "شو" الذي نص على وقف الهجرة اليهودية وتقييد بيع الأراضي لليهود. فلما صدر أقبل عليه العرب ولم يرفضوه وضج اليهود باستنكاره، فقررت الحكومة البريطانية إرسال لجنة خاصة لدرس شؤون الأراضي برئا
المحامي حسن الطراونة
المحامي حسن الطراونة
Admin

عدد المساهمات : 312
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
الموقع : hasan-tr.alafdal.net

https://hasan-tr.alafdal.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

حقائق عن قضية فلسطين- الحلقة الأولى Empty تابع للحلقة الاولى :حقائق عن فلسطين

مُساهمة  المحامي حسن الطراونة الخميس أغسطس 25, 2011 4:44 am



تحيز الإنجليز لليهود :

فلما نشب القتال بين العرب واليهود في أواخر عام 1947 أثر صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، كان موقف حكومة الانتداب البريطاني موقف المتحيز إلى اليهود، التآمر معهم شأنها طول عهد انتدابها مدة ثلاثين عاماً ، فكانت تتدخل – في كل معركة يفوز بها العرب – لحماية اليهود والحيلولة دون استيلاء العرب على ممتلكاتهم ومستعمراتهم ، بحجة أنها لا تزال صاحبة السلطة في فلسطين والمسئولة عن حماية أرواح السكان وممتلكاتهم . غير أنها لا تتذرع بهذه الحجة عندما تكون أرواح العرب وممتلكاتهم عرضة للهلاك والدمار. والأمثلة على هذا كثيرة لا مجال لتعدادها الآن . غير أن من الحوادث ماله صلة وثقي بكارثة فلسطين ، وأدى إلى هجرة عدد كبير من العرب .



الإنجليز يمهدون السبل لخروج العرب :

أضرب لذلك مثلاً حادث هجرة أهل طبرية . فقد تم طبقاً لخطة مرسومة لتسليم هذه المدينة لليهود ، فإن طبرية تقطنها أكثرية من اليهود وأقلية من العرب. وقد كانت القوات البريطانية خلال المعارك الناشبة بين العرب واليهود تغض طرفها عما يقترفه اليهودي في الأحياء العربية العزلى من السلاح ، وتسهل سبيل وصول المدد والنجدات إلى اليهود ، وتحول دون وصول المدد والنجدات إلى العرب، مما هيأ لها أن تتدخل وتصل على إجلاء العرب عن المدينة تاركين وراءهم جميع ما يملكون ، بحجة أنهم أقلية يخشى عليها من الأكثرية اليهودية!

والمؤامرة في هذا الحادث مفضوحة ، والتحيز ظاهر. فقد كان في وسع القوات البريطانية أن لا تحول دون وصول النجدات إلى العرب كما تحل دون وصول النجدات إلى اليهود ، أو على الأقل أن تحافظ عليهم وعلى ممتلكاتهم كما حافظت على اليهود في مدينة القدس القديمة وغيرها. فقد كان هؤلاء في وضع أضعف بكثير من وضع العرب في طبرية ، وظلت القوات البريطانية باسطة حمايتها عليهم، توصل إليهم الطعام والماء والسلاح والنجدات إلى أن انسحبت من فلسطين .

ومثل ذلك حدث في المذابح التي اقترفها اليهود في القرى العربية الضعيفة بين سمع القوات البريطانية وبصرها . كمذابح قرى "دير ياسين" و"ناصر الدين" و"حواسه" و"عليوط" و"سكرير" و" الدوايمة وغيرها .

ومن الجدير بالذكر أن معظم الفظائع الوحشية في هذه القرى ارتكبتها عصابتا أرغون زفاي ليومي وشترن، وأكثر أفرادهما من اليهود المتدينين ورجال الدين الربانيين والحاخامين، المعروفين بفرط تعصبهم وشدة أحقادهم ، فكانوا يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ دون رحمة . ويبقرون بطون الحوامل ويخرجون الأجنة منها برؤوس حرابهم ، زاعمين أن هذا أمر إله إسرائيل الذي أمر شعب إسرائيل حين فتح أريحا "أن يقتل بحد السيف كل ما في المدينة من رجل وامرأة ، من طفل وشيخ ، حتى البقر والغنم والحمير، وأن يحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها ، كما جاء في الإصحاحين السادس والسابع من سفر يشوع .



المؤامرة الإنجليزية على تسليم حيفا لليهود :

أما حيفا فقد كانت كارثتها من أبرز مظاهر تحيز الإنجليز لليهود وتآمرهم معهم ، فقد أعلنت سلطة الانتداب البريطاني أن لبريطانيا مصالح حيوية في حيفا، وأنها لن تتخلى إلا بعد شهر أغسطس 1948 أي بعد انتهاء الانتداب بثلاثة أشهر ونصف شهر ، وعلى هذا منعت العرب من إقامة المراكز المحصنة داخل المدينة ، وحظرت عليهم الوصول إلى أماكن معينة، في الحين الذي كان اليهود فيه يتحصنون ويتركزون ويجوبون كافة المواقع دون حظر، حتى إذا أتموا تسلحهم واستكملوا استعدادهم أعلنت سلطة الانتداب فجأة عدولها عن التمسك بحيفا واضطرارها لإخلائها ! وحينئذ ظهر أن اليهود قد تسلموا ما كان بيد الإنجليز من المعسكرات ذات الشأن، والأماكن المحصنة، والمواقع المشرفة على أحياء حيفا كلها، مما سبب كارثة استيلاء قوات اليهود المسلحة عليها، واضطرار أهلها العرب للجلاء عنها بعد وقائع دامية، وبعد ما متع الإنجليز وصول النجدات إليهم، تاركين وراءهم كل ما يملكون أيضاً . وعندئذ فقط ظهرت رقة شعور القوات البريطانية، ففتحت أبواب ميناء حيفا وجمعت ما فيها من السفن وجعلت تدعو العرب إلى الرحيل وتحملهم عليها.. وكذلك أخذ الفيلق العربي – أي جيش الجنرال جلوب – ينقل العرب في سياراته كما فعل في طيرة حيفا وجبع وغيرها ، وكما نقل قبل ذلك أهالي طبرية وبيسان بسياراته إلى شرق الأردن . فعل كل ذلك تسهيلاً لهجرة العرب وتمكيناً لاحتلال اليهود .

واشتركت دائرة المخابرات البريطانية واليهودية في هذه المهمة بنصيب وافر وأخذت على عاتقها إشاعة الحوادث المثيرة والأخبار المضللة، ونشر الذعر بين الأهالي الآمنين من العرب، وخاصة على أثر المذابح التي اقترفها اليهود .

وكان المخابرات البريطانية وأعوانها من موظفي حكومة الانتداب أكبر الأثر فيما حدث في مدينة (يافا) من هذا القبيل أيضاً مما أدى إلى خروج أهلها العزل، والتجائهم إلى أماكن أخرى من فلسطين أو إلى الأقطار العربية المجاورة .

أما في القدس الجديدة فقد منعت القوات البريطانية المجاهدين الفلسطينيين من المرور عبر مناطق السلامة التي كان جنودهم يحتلونها ثم لم يلبثوا أن سلموا تلك المناطق – مع معسكر العلمين الكبير الواقع جنوب القدس – إلى قوات الهاجانا اليهودية في 13و14 مايو 1948م وبذلك أصبح اليهود يسيطرون على القدس الجديدة ، ويتحكمون في القدس القديمة أيضاً .



كارثة اللد والرملة :

وأما كارثة اللد والرملة فقد نشأت من أن الجنرال جلوب سحب فجأة قوات الجيش الأردني التي كانت مرابطة فيهما، بعد ما جرد قوات الجهاد المقدس التي كانت مرابطة في مطار اللد ومحطة السكة الحديد وغيرهما، من سلاحها ، بحجة الهدنة الأولى، واعداً بإرجاعها بمجرد انتهاء الهدنة . ولكنه أخلف وعده عندما استأنف القتال في 9 يوليو 1948، فسقطت اللد والرملة وعشرات القرى المحيطة بهما في أيدي اليهود واضطر نحو مائة ألف من أهلها للنزوح، يضاف إليهم من لجأ إلى المدينتين المذكورتين من أهل مدينة يافا وقراها، وهم لا يقلون عن خمسين ألف نسمة أيضاً، وقد روي لي أحد رجال الدين المسيحي المحترمين أنه سمع من سيادة المونسنيور وكيل بطريرك اللاتين في فلسطين ن جلوب بعث ببرقية تهنئة لقائد الجيش اليهودي على احتلاله اللد والرملة ، ولما صادفه المونسنيور المذكور وعاتبه على برقيته، أجابه جلوب بقوله : هذه هي السياسة .

ونحن حين نعرض لذكر الجنرال جلوب باشا الإنجليزي لا نرمي إلى تجريحه شخصياً فهو يعمل لصالح أمته ويقدم لها الخدمات الجلي، ولكن اللوم يقع على بعض العرب الذين ولوه القيادة العامة الفعلية أثناء حرب فلسطين . وبعد الهدنة الثانية توالت اعتداءات اليهود على المناطق العربية ، وانسحبت قوات الدول العربية من مناطق الجليل الغربي وجنين وبعض مناطق القدس وبيت لحم والخليل والنقب والمجدل، فجلا أهلها منها تبعاً لذلك بالضرورة، ثم وقعت اتفاقية رودس، وأعقبها تسليم جيش الجنرال جلوب لليهود أراضي المثلث العربي ومساحات واسعة من مناطق القدس وبيت لحم والخليل والبحر الميت كما ذكرناه آنفاً ، فنزح عنها أهلها بعد ما عاث فيها المجرمون اليهود قتلاً وتدميراً ونهباً وسلباً .

وهكذا لم يحل ربيع عام 1949 حتى أصبح ما يقرب من مليون عربي فلسطيني مشردين من بلادهم ولاجئين إلى الأقطار العربية .





الهيئة العربية عارضت في خروج العرب من فلسطين :

أما فيما يتعلق بالجواب على الشق الأخير من سؤالكم، فقد كان رأيي الذي أعلنته مراراً ، وأبلغت الجهات العربية ذات الشأن، أن يبقى عرب فلسطين في بلادهم، وأن يدافعوا عنها حتى النفس الأخير، وأن لا يجلوا لأي سبب من الأسباب .

وأذكر مثلاً على ذلك أن سيادة المطران جورج حكيم مطران الروم الكاثوليك في حيفا وعكا وسائر الجليل رغب في نقل الأطفال من حيفا إلي لبنان عند اشتداد المعارك إشفاقاً عليهم، فلما بلغ الهيئة العربية العليا ذلك عارضت في نقلهم إلى لبنان، وأبلغته أنه إن كان ولا بد من النقل فليكن إلى المدن الداخلية في فلسطين .

هذا وقد تنبهت الهيئة العربية العليا إلى ما يقصده الإنجليز من موقفهم، واليهود من عدوانهم، فأذاعت في شهر فبراير 1948بياناً على الشعب الفلسطيني دعته فيه إلى البقاء في بلاده، وأن لا يجلو عنها بأي حال من الأحوال، وفي الوقت نفسه طلبت الهيئة العربية من اللجان القومية – وهي الهيئات الوطنية الممثلة للشعب الفلسطيني في كافة المدن والمراكز الكبرى من فلسطين – ومن قيادة الجهاد الوطني المقدس، وقواد المناطق، العمل على منع الأهلين من مغادرة البلاد، وفوضتهم في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بذلك ، وطاف أعضاء من الهيئة العربية بمختلف المناطق الفلسطينية ينبهون الناس ويحذرونهم من الخروج وترك البلاد .

وفي اليوم الثامن من شهر مارس عام 1948 قدمت الهيئة العربية العليا مذكرات إلى الحكومات العربية التمست فيها أن لا تعطي تأشيرات سفر لأي فلسطيني إلا في حالة الضرورة القصوى كأن يكون الراغب في السفر مريضاً يخرج للاستشفاء أو تلميذاً يسافر للدراسة ، بعد التثبت من ذلك بواسطة اللجان القومية .

وقد حمل مندوبون من الهيئة العربية العليا تلك المذكرات إلى العواصم العربية وسلموها إلى المسئولين من رجالها ، شارحين لهم الأسباب الموجبة لذلك . ومن دواعي الأسف أنه لم يؤخذ برأي الهيئة العربية في هذا الأمر .






خلافي مع الملك عبد الله لم يكن خلافاً شخصيا

بل كان خلافاً سياسياً يتناول المبادئ والوسائل

السؤال الخامس :

يقول بعض الناس إن خلافاً شخصياً كان قائماً بين الملك عبد الله وبينكم، وأن هذا الخلاف أساء إلى قضية فلسطين . فما تقولون في ذلك ؟

الجواب :

ما كنت أحب أن أتحدث عن الخلاف السياسي مع المغفور له الملك عبد الله ، لولا أن بعض الصحف ومصادر الدعاية الأجنبية حاولت استغلال هذا الخلاف لصالح الاستعمار، وبالغت فيه، كما أن بعض الناس فهموه على غير حقيقته وذهبوا فيه مذاهب شتى، وزعم بعضهم أنه كان خلافاً شخصياً أضر بقضية فلسطين .

والواقع أن الخلاف مع المغفور له الملك عبد الله لم يكن شخصياً قط طول أيام معرفتي به التي يرجع عهدها إلى عام 1931 عندما جاء إلى شرق الأردن، فهي معرفة وثيقة مدة ثلاثين عاماً تقريباً بل بالعكس كانت علاقتي الشخصية به علاقة صداقة ومودة لما عرف عنه رحمه الله من حسن المودة وأدب المعاشرة وطيب الحديث، وكنت ألقى منه – عند كل اجتماع – من حسن المقابلة ولطف المعاملة ما يعرفه كثير من الناس، كما كنت لا أدخر وسعاً في استبقاء الصلة الحسنة به وفقاً لخطتي مع جميع الذين لهم علاقة بالقضايا العربية، وذلك حرصاً مني على صالح القضايا العربية عامة وصالح فلسطين خاصة ، لخطورة قضيتها وشدة الحاجة في دفع العادية عنها إلى تضافر العرب جميعاً على تعدد دولهم وأقطارهم .

ولكن الخلاف الذي وقع كان سياسياً يتناول المبادئ والوسائل التي ينبغي أن تعالج بها قضية فلسطين خاصة ، والقضايا العربية الأخرى .

فعندما وصل المرحوم الملك عبد الله من الحجاز إلى شرق الأردن عام 1921، بقصد تحرير سورية من الفرنسيين الذين احتلوها حينئذ وأخرجوا منها شقيقه المرحوم الملك فيصل، التف حوله صفوة من أحرار العرب ومجاهديهم من سورية ولبنان والعراق وفلسطين ، للتعاون معه على إنقاذ سورية خاصة ، والعمل لصالح البلاد العربية عامة . ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، وتغلبت السياسة الاستعمارية على الجهود العربية التي بذلت حينئذ ، وخاب الرجاء بإنقاذ سورية . ولم يسفر الاجتماع الذي عقد في 28 مارس عام 1921م على جبل الزيتون بالقدس بين سمو الأمير عبد الله من ناحية ، والمستر تشرشل وزير المستعمرات البريطانية حينئذ ، والسر هربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني اليهودي ومستر لورنس من ناحية أخرى عن نتيجة لصالح العرب، بل أصبحت منطقة شرق الأردن مشمولة بالانتداب البريطاني، وأصبح المندوب السامي لبريطانيا في فلسطين مندوباً سامياً لها في شرق الأردن أيضاً .

ولم يلبث الاستعمار البريطاني أن ضيق الخناق على منطقة شرق الأردن وكبلها بالقيود، كما هو ديدنه في كل بلادنا عليها بكلكلة، فأخذ من كان فيها من أحرار العرب يهجرونها واحداً إثر واحد . ثم تمكن الإنجليز من فرض معاهدة استعمارية على إمارة شرق الأردن استولوا بموجبها على مرافق البلاد، وسيطر على الجيش الأردني الضابط البريطاني (بيك) باشا ثم الجنرال جلوب باشا .

ولما صدر تقرير لجنة اللورد بيل في 7 يوليو سنة 1937 بتقسيم فلسطين، اتخذ المغفور له الملك عبد الله موقفاً مؤيداً للتقسيم على أمل أن يتمكن من ضم القسم الباقي للعرب من فلسطين، إلى شرق الأردن، وكان طبيعياً أن لا يقر عرب فلسطين تقسيم بلادهم وتقطيع أوصالها كما أسلفت في حديثي السابق . وأخيراً عندما وقعت حرب فلسطين على إثر صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيمها ثم تدخلت الدول العربية وقررت أن تدخل جيوشها فلسطين، أصر المغفور له الملك عبد الله على أن تكون له قيادة الجيوش العربية ، فعارضت أكثرية الدول العربية في هذا، ثم عاد بعضها فوافق تحت تأثير الضغط البريطاني الشديد ، وتسلم الجنرال جلوب القيادة الفعلية للجيوش العربية ، ووقعت كارثة فلسطين على الشكل المعروف.

وكنت بطبيعة الحال معارضاً لهذه القيادة الغريبة الشاذة . لا مخالفة للمرحوم الملك عبد الله ، بل خوفاً من أن تسلم القيادة العسكرية الفعلية في حرب فلسطين إلى قائد إنجليزي، ليقيني أن الاستعمار الإنجليزي هو الخصم الألد الذي كن أساس البلاء في هذه القضية وفي معظم القضايا العربية .

فالخلاف الذي وقع بين المغفور له الملك عبد الله وبيني لم يكن – كما ذكرت – خلافاً شخصياً مطلقاً ، بل كان خلافاً على المبادئ والوسائل التي كان ينبغي التوسل بها لمعالجة قضية فلسطين والقضايا العربية الأخرى، ولم أكن المعارض الوحيد لهذه المبادئ والوسائل، بل عارضها أيضاً كثير من رجال الأمة العربية وذوي الرأي فيها عن السوريين واللبنانيين والعراقيين والمصريين والسعوديين والفلسطينيين ومن الأردنيين كما هو معروف، ولا أرى حاجة للإسهاب والتفصيل في هذه الناحية ، ولكني أرى أن استشهد هنا بحادثين للتدليل على كذب المزاعم القائلة بأن الخلاف كان شخصياً وأنه عاد بالضرر على قضية فلسطين :



الحادثة الأولى :

قبيل صدور قرار لجنة اللورد بيل قابلني في القدس أحد رجال الاستعمار مقابلة خاصة سألني خلالها عما أتوقع أن يحتوي عليه تقرير لجنة بيل ، فأجبته بأني لا أستطيع التهكن به، وأنكم معشر الموظفين الكبار أدرى بذلك لما لكم من صلات رسمية تسهل لكم الاطلاع على مثل هذه الشؤون قبل كل أحد، ولكن الصحف تنشر أن هذا التقرير يستهدف التقسيم ، ثم ذكرت له ما سيلقاه التقسيم من معارضة الشعب العربي الفلسطيني ومعارضتي شخصياً .

فقال رجال الاستعمار – تهوينا لأمر التقسيم على وترغيبا لي فيه : وماذا في التقسيم من ضرر؟ إنه يرمي إلى تكوين دولة عربية من القسم العربي من فلسطين وشرق الأردن معاً . ولعلكم تحسبون أن الأمير عبد الله سيكون رأس هذه الدولة، فأحب أن أحيطكم علماً أن انتخابات حرة ستجري في البلاد، وأن الذي يفوز بالأكثرية هو الذي سيتولى رئاسة الدولة .

وزاد محدثي على هذا بقوله : ونحن نعرف من هو رجل الشعب الذي يستطيع الفوز بالأكثرية الساحقة . ونظر إلى متبسماً .



فأدركت ما يعنيه الرجل ، وأجبته فوراً :

- إذا كنتم تظنون أني أعارض التقسيم لئلا يصبح الأمير عبد الله ملكاً على فلسطين وشرق الأردن فأنتم واهمون، فالحقيقة أني إنما أعارض مبدأ التقسيم لضرره على البلاد وتهديمه لكيانها وتمزيقه لوحدتها ، ولا أعارض شخص الأمير أبداً .

وأؤكد لكم أنني مستعد أن أكون تابعاً لأي عربي يعمل بإخلاص لصالح الوطن ولو كان هذا العربي تابعاً من أتباع الأمير، فكيف أرفض رئاسة سيد عربي كالأمير نفسه الذي هو من أشرف بيت في العرب، فأنا إنما أعارض الفكرة ولا أعارض الشخص .

فدهش محدثي عندما سمع هذا الجواب الحاسم ، واعتذر عن حديثه معي بأنه إنما كان حديثاً خاصاً محضاً .

ولقد كنت أبلغت بحمل هذا الحديث في أول فرصة إلى المغفور له الملك عبد الله ، وأكدت له أن الخلاف لا يتعدى المبادئ ووجهات النظر .



الحادثة الثانية :

وقد حدثت هذه أثناء جلسة اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية في دار وزارة الخارجية السورية بدمشق في شهر مارس سنة 1948 وكنت عضواً فيها في ذلك الحين، فقد كان الحديث يتناول قضية فلسطين وموقف المغفور له الملك عبد الله ، وعندئذ قال مندوب إحدى الدول العربية مازحا :

- لو تفاهمتم مع الملك عبد الله ونزلتم على رغباته لحلت المشكلة فقلت له : إنك تقول هذا مازحاً يا صاحب الدولة ، ولكن الأمر جد ، والقول فصل وما هو بالهزل . وأني أرجو من اللجنة السياسية أن تسجل على في الجلسة التاريخية "إنني أعاهد الله وأعاهدكم ، أنا وكل من يسير معي من أهل فلسطين ، على أن نكون في ركاب الملك عبد الله ومن أخلص جنده وأتباعه عندما يسير قدماً على رأس جيشه لكفاح الأعداء كفاحاً صادقاً جديا، ويومئذ يعتز عرب فلسطين جميعاً بعرشه وتاجه ويكونون من أصدق رعاياه المخلصين" .

وطلبت تسجيل كلامي وإبلاغه إلى المغفور له الملك عبد الله . من هاتين الحادثتين يتضح لكم أنه لم يكن يباعد بين المغفور له الملك عبد الله وبيني خلاف شخصي، بل كان اختلافاً في وجهات النظر والمبادئ السياسية، وما عدا ذلك فقد كانت علاقتي الخاصة به علاقة مودة وصداقة . وأذكر أنني لما رجعت من أوربا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية – وكان ذلك في صيف عام 1946- تفضل جلالته بالترحيب بي ، فشكرته على ذلك وتبادلنا البرقيات والرسائل الخطية والشفوية وأحياناً التليفونية ، وإني أحتفظ بمجموعة من هذه الرسائل سيأتي ذكر قسم منها عندما يتاح لي نشر مذكراتي ، لما اشتمل عليه بعضها من الأهمية والطرافة وأكتفي الآن بالإشارة إلى إحداها، وهي رسالة خطية بعث بها إلى مع أحد أقاربي في أواخر عام 1948 اشتملت على كثير من عبارات المودة والعواطف الكريمة وكانت آخر رسائله إلى قبيل وفاته، وقد أعرب فيها عن رغبته في عودتي إلى البلاد، وعن استعداده لتلبية رغبتي في المركز الذي أبتغيه . وقد أجبته بالشكر الوافر على هذا العطف السابغ، وبالتأكيد له أنني غير راغب في أي منصب، وليس لي أي طلب خاص ، وكل ما أرجوه أن يعمل جلالته على تحصين المناطق الجبلية من فلسطين التي تسلمت إدارتها الحكومة الأردنية من جبل الخليل جنوباً إلى جنين شمالاً ، وأن يكون ذلك تحصيناً عسكرياً فيناً ، وأن يعمل أيضاً على تجنيد أهل البلاد للمرابطة فيها ، وعلى تدريبهم وتسليحهم للدفاع عنها عند الأعداء الطامعين، وحينئذ أعود إلى البلاد كفرد عادي لأشارك في هذا العمل المفيد .

ولا شك في أن الدعاية المضللة التي روجها المستعمرون ، والأراجيف التي كان يرجف بها اتباعهم وأبواقهم ، من أنني أقف حجر عثرة في سبيل تحقيق غاياته ومقاصده، قد انطبعت في نفسه إلى حد ما . ولم يكن في استطاعتي أن أزيل هذا الانطباع تماماً، لأنني بقيت بضع عشرة سنة بعيداً عن الوطن الحبيب لم تكتحل عيناي بإجتلاء ربوعه، ولم يتح لي لقاء الملك عبد الله منذ خروجي من فلسطين إلا عند زيارته الأخيرة لمصر ونزوله ضيفاً على الحكومة المصرية في قصر الزعفران عام 1948.

هذا وقد كنت أرغب حقاً في تلبية دعوته الكريمة التي وجهها إلى الذهاب إلى عمان في مارس سنة 1948 لولا خشيتي من غدر رجال الاستعمار الذين كانوا يحرسون خلال الديار، والذين لا تؤمن مغبتهم ولا يجمد عند الصباح سراهم ، وكنت موقناً أنهم يتربصون بي الدوائر .

ولم تكن خطتي في وقت من الأوقات أن أناوئ أية شخصية أو حكومة عربية ، بل كانت ولا تزال الخطة التي أعتنقها هي بذل أقصى الجهود والتضحية بأعز ما أملك في سبيل جمع شمل الأمة العربية وتوحيد كلمتها ، وقد نصحت بعض الفلسطينيين الذين صادفتهم في زيارتي الأخيرة لدمشق في أكتوبر الماضي 1953 بأن يقاوموا فكرة الشقاق بين الفلسطينيين والأردنيين، والضفة الغربية والضفة الشرقية . وقلت لهم : إن التفرقة بين الأقطار العربية ليست إلا من عمل الاستعمار الذي هو عدو للجميع ، فأحذروا كيده ، ولا تخاصموا أحداً من العرب ولا دولة من الدول العربية . فإن كابوس الاستعمار يجثم فوق صدور الأردنيين، كما يجثم فوق صدور الفلسطينيين ، وكلكم في البلاء سواء ، فعليكم أن تتقوا الخلاف بينكم ، وأن توحدوا جهودكم ضد الاستعمار وحده . [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

المحامي حسن الطراونة
المحامي حسن الطراونة
Admin

عدد المساهمات : 312
تاريخ التسجيل : 14/05/2010
الموقع : hasan-tr.alafdal.net

https://hasan-tr.alafdal.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى